يشعرنا مناخ الثقة السائد في المشهد الكروي الوطني، ودرجات الإلتزام التي وصلتها الأندية في الوفاء بالإلتزامات والتطابق مع الأحكام التي قضى بها الإحتراف بالمرور لنظام الشركات الرياضية، أن كرة القدم الوطنية بصدد إنجاح واحدة من الإنعطافات الحاسمة والإستراتيجية وربح رهان الإحتراف، كمنظومة اشتغال لا محيد عنها للتطابق مع كرة القدم المستوى العالي.
إلى يوم دراسي تفاعلي جاء رؤساء ومسؤولو ماليات أندية البطولة الإحترافية في قسميها الأول والثاني أول أمس الثلاثاء، يلبون في ذلك دعوة الجامعة، الغاية منه الإستماع بعمق إلى صوت القانون وهو ينظم شقين غاية في الأهمية في معيش النوادي الإحترافية، الشق المتعلق بواجبات الإنخراط في الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي والشق المرتبط بالواجبات الضريبية المفروضة على الشركات الرياضية، تنفيذا لمسطرة جرى تنزيلها في القانون المالي الجديد والتي تقضى بإخضاع الشركات المسيرة للأندية الإحترافية للضريبة اعتبارا من شهر يوليوز المقبل.
وأمكنني عند التواصل مع كثير من رؤساء الأندية الذين حرصوا على التواجد برفقة خبراء لهم في المجال المحاسباتي في اليوم التداولي، أن أستشعر قيمة الإلتزام الجماعي بما أصبح يمثل لهم اليوم فرض عين، ودرجة الوعي الجماعي بأن المرحلة غاية في الأهمية، لأنها ستضع الأندية أمام مسؤوليات ثقيلة، تهم عقلنة التدبير وحكامة جلب وصرف العائدات وموضوعية المقاربة المحاسباتية بهدف إرساء قواعد جديدة في التسيير المقاولاتي التي تختلف كليا عن كل الذي سبق.
وإذا كان هناك من برر البطء الشديد الذي شاب إدخال الأندية الحاصلة على الإعتماد والمحالة قانونا على النظام الإحترافي، بوجود جيوب للمقاومة وبحرص بعض الرؤساء على حظر التعرية ومناهضة التغيير، فإن ما استنتجته من تداعيات الجمع العام الأخير للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم وتحديدا من اليوم الدراسي المنعقد قبل يومين، هو أن الطريق بات سالكا ومعبدا لوضع الركائز الأساسية لأعمدة الإحتراف، ولا حظ لأي طرف في معاكسة القطار الذي وضع فعلا على السكة وحددت له سرعة السير.
في مرة وأنا أحاور السيد فوزي لقجع رئيس الجامعة وهو من سيحتفظ تاريخيا بخاصية إدخال كرة القدم المغربية فعليا فلك الإحتراف، قلت له أن الأندية وهي تبدي هذا التتاؤب في الخضوع للأحكام المشرعة قانونا، هل تفعل ذلك لأنها لا تستوعب جيدا تلك الأحكام القانونية أم لأنها ترفض قطعيا تلك الأحكام وتتصورها خطوة أولى نحو الإفلاس؟
وكان جواب فوزي لقجع في ذاك الوقت، هو نفسه الجواب الذي أتى به رؤساء الأندية، وهم ينتهون من الإجتماع الذي استمعوا خلاله لشروحات الخبراء في مجالات الضريبة بمختلف أجناسها وفي مجال التغطية الإجتماعية للأجراء.
كان الجواب الذي نقله إلي رئيس الجامعة بثقة كبيرة وهذا معناه: «لا أعتقد اليوم أن هناك منزلة بين المنزلتين، بين التطابق مع القانون والإلتزام بقيم المواطنة وبين التهرب الضريبي، نحن اليوم أمام عهد جديد، لا تراجع فيه ولا مساومة.
هذا أول شيء، أما ثاني شيء وهو أهم ما في الأمر، أن الأندية ستربح أشياء كثيرة وهي تمتثل لأحكام القانون، فالمنافع من الإقرار الضريبي والتأمين الاجتماعي للأجراء، أكبر بكثير مما نرى أنها أضرارا ستلحق بالأندية.
أنا مسؤول من الأندية وموجود هنا على رأس الجامعة بتفويض منها، ومن واجبي أن أراعي مصالحها، ومقابل ذلك أنا مواجه بضرورة التقيد بأحكام القانون، ومن موقع اختصاصي ومسؤولياتي المهنية، أعرف أن الأندية ستشعر بقيمة هذه الإنعطافة التاريخية، متى تقدم القطار قليلا على السكة، فهناك فرق كبير بين التدبير العاطفي والتدبير العلمي، وهذا الفرق هو ما ستدركه الأندية لاحقا».
ولعلها أدركته وهي تصغي من خلال رؤسائها وخبرائها المحاسباتيين إلى خارطة الطريق التي وضعها رجال الإختصاص في مجالي الضرائب والتغطية الإجتماعية، والتي تقترح مرحلة إحمائية تتعود معها الأندية على التقاليد الإحترافية الجديدة لتصبح بالفعل أندية مواطنة.