هناك أبطال لا دخل للحظ في تتويجاتهم، لا يلعبون على الجزئيات، ولا يدخلون المغارات المظلمة، ولا يرفعون سقف المجازفة، هم فقط يتطابقون مع ممكناتهم، لا يتورعون في الضرب بقوة للإجهاز على منافسيهم.
ذلك ما ينطبق بالحرف على منتخب المغرب لكرة القدم داخل القاعة، الذي نجح بعلامة التفوق الكاملة التي لا خلاف عليها، في العودة من قاهرة المعز بلقب بطل العرب، الأول من نوعه في ثالث نهائي عربي يلعبه منذ أن أحدث الإتحاد العربي لكرة القدم هذه المسابقة.
ولو نحن فتشنا في المباريات الخمس التي كانت معابر سالكة لأسود القاعة، ليعلنوا أبطالا للعرب بعد أن أعلنتهم قبل ذلك القارة الإفريقية ملوكا للفوت صال، لما وجدنا أثرا للحظ بكل التقليعات التي تعودنا أن نلجأ إليها، فما فعله أسود القاعة أنهم أصابوا الجميع بالذهول، بل إنهم أنطقوا كل الأرقام التي بها صمم، لتتحدث عن شيء واحد، أنهم كانوا منتخبا فوق الوصف وبطلا لكل الإستثناءات، فما شهدت نسخة من النسخ الأربع السابقة لكأس العرب تسيدا وشموخا وإبهارا، كالذي جمعه منتخب القاعة بأرض الفراعنة.
وأبدا لم يعان منتخب الفوت صال في الإجهاز على من قابلوه في طريقه لاعتلاء منصة التتويج بطلا خرافيا، والأرقام التي سأعرضها عليكم تقيم الدليل على ما يوصف به أسود الفوت صال، فقد فازوا بكل مبارياتهم، سجلوا ما مجموعه 26 هدفا بمعدل 5 أهداف في المباراة الواحدة ولم تستقبل مرماهم سوى هدفين، وهذه الأرقام الناطقة بالتفوق الميداني والتي ستمنح الأسود لقب البطولة وكل الألقاب الفردية الأخرى، يجب أن تكون مرجعا عليه يتأسس كل من يقولون بتسيد المغرب للكرة الخماسية عربيا وإفريقيا، وعليه نتأسس نحن لنشيد بالعمل القاعدي الذي أنجز لسنوات من أجل الإرتقاء بالفوت صال، عمل يشترك فيه هشام الدكيك مهندس النجاحات الوطنية وأحد الخبرات التقنية المشهود لها عالميا بالكفاءة، مع الجامعة التي رصدت من الإمكانات اللوجيستية والمالية، ما مكن كرة القاعة من أن تتحول إلى أجمل صناعة.
بالطبع سيكون لزاما من اليوم، أن يدافع الفوت صال الوطني، على هذه المرجعية المكتسبة عربيا وإفريقيا، بأن يذهب إلى مونديال ليتوانيا لتحقيق ما عجز عنه في كل مشاركاته المونديالية السابقة، أي تجاوز الدور الأول، والعض بالنواجد على الصدارة العربية والقارية، وهذا الشق الصعب في رهان الصعود المتواتر، يحتاج إلى كثير من التواضع في تقدير النجاحات قاريا وعربيا، وإلى كثير من العمل لمزيد من تطوير ورش تحديث وتثمين الفوت صال بالمغرب.
.. وكما أن هناك أبطالا لا يتركون للشك ولا للحظ بابا مفتوحا في مسارهم البطولي، فهناك أبطال متخصصون في معاكسة التوقعات وفي الثورة على التصنيفات والتفييئات، وقد كان منهم نادي تشيلسي الإنجليزي الذي دخل وبين صفوفه نجمنا المغربي الكبير حكيم زياش، نهائي عصبة الأبطال أمام مانشستر سيتي، وقلة هم من يراهنون على أنه سيكون عريس هذا النهائي.
جاء تشيلسي بالمباراة النموذجية التي يحتاجها نهائي من هذا المقاس الكبير، فقد تطابق مع ذات الصورة المبهرة بل والهلامية التي كان عليها يوم أزاح أتلتيكو مدريد من ثمن النهائي ويوم أقصى بورطو البرتغالي من الدور ربع النهائي وبخاصة يوم روض الملكي ريال مدريد وحال بينه وبين النهائي، تلك الصورة التي سقطت من ذاكرة كل الذين باعوا جلد البلوز بأبخس الاثمان، وقد وقفنا على منظومة تكتيكية تدرس للبلوز، تمكنوا من خلالها إفراغ المان سيتي من كل التركيبات التكتيكية المعقدة التي صاغها العبقري بيب غوارديولا، وظن أن لا أحد يقدر على فك شفرتها، قبل أن يظهر لنا الألماني طوماس توخيل كم هو بارع في فك الطلاسيم. 
وقضت قراءة توخيل العميقة والبراغماتية لأسلوب لعب السيتي، ألا يلعب بحكيم زياش أساسيا، فقد كان الرجل بحاجة لمن يصعق قوافل السيتي في الثلث الثاني من الملعب، لمن يحول بين هذه القوافل الزاحفة وبين الثلث الأخير من الملعب والذي تكون فيه بوارق السيتي مدمرة، لذلك نصب جدارين إسمنتين، دفاعا ووسطا، ونجح توخيل لأبعد حد في مطاردة الجوارح الطائرة والزواحف الغادرة، بفضل لاعبين مقاتلين بل وانتحاريين، أولهم السقاء الرائع الفرنسي نغولو كانطي الذي كان بالفعل ردار رصد وكاسحة للألغام الهجومية.
وكان لخروج تياغو سيلفا الإضطراري، تأثيره في السيناريو الموضوع من قبل توخيل، بل إن الإبقاء على السبق الذي اصطاده هافرز، جعل البدائل المفترضة لا تبقي أي حظ لحكيم زياش لكي يدخل أرضية الملعب لتقديم الإضافة، برغم أن زياش ستعتبره الصحافة الإنجليزية من صناع هذا التتويج الأوروبي الثاني من نوعه في تاريخ البلوز، بمبارياته العشر التي شارك فيها من أصل 13 مباراة قادت البلوز للتتويج وبهدفيه الحاسمين، بخاصة هدفه في مرمى الروخي بلانكوس.
هنيئا لحكيم زياش لقبه الأوروبي الأول، وهنيئا بنجاحه برغم كل الإكراهات الرياضية والتقنية في الجلوس على عرش أوروبا وفي الفوز بحب البلوز.