بشكل رسمي أطلقت إسبانيا والبرتغال الجمعة الأخير، تزامنا مع مباراة أرخت لأول ودية جمعت منتخب لاروخا بمنتخب البرتغال قبل مائة سنة، حملتهما المشتركة لاستضافة كأس العالم 2030.
الوقوف عند أهمية ودلالات وأبعاد الخبر، تقتضيه سياقات زمنية شبه إستثنائية ومطبات سياسية تمر منها العلاقات المغربية الإسبانية، التي يجمع الخبراء على أنها تجتاز واحدة من أكثر الفترات اشتعالا واحتقانا وتوترا، بعد أن قرر المغرب تغيير منظومة اللعب مع الجارة الإسبانية، وقد تمادت في خرق العديد من الأعراف الديبلوماسية، وبعد أن أمعنت في هدم قواعد اللعب السياسية وتقويض صرح أخلاقيات الجوار، بل ووقعت في الكثير من التسللات المفضوحة، والتي لا تستطيع كرامة المغاربة أن تتجاوز عنها.
وتدعونا أول قراءة نقدية لهذا المشروع الإسباني والبرتغالي المشترك بالتنافس على تنظيم نسخة 2030 للمونديال، إلى استحضار ما حدث قبل ثلاث سنوات تقريبا، عند زيارة قام بها رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز للمغرب، وخرج بتصريح قوي يومها، يؤكد أن المغرب وإسبانيا توافقا على تقديم ملف ترشيح مشترك لتنظيم كأس العالم، وأن هناك رغبة في ضم البرتغال ليكون الملف ثلاثيا ويقدم جيلا جديدا من التنظيمات، إذ أن إستثنائية وحداثة وجمالية هذا المشروع تكمن في أنه يقترح على العالم تنظيم أول كأس عالمية بين قارتين.
ولأن حكمة وحكامة المغرب وتعقله في تدبير هكذا ملفات إستراتيجية، كانت تقتضي التريث في بناء أي موقف معلن، فإن المقترح الإسباني ظل في المنظور والتصريف المغربي العاقل، مقترحا خاضعا للدرس وحالا على التأمل، بل ورهينا بالتحولات الجيوسياسية، وفي تلك الحكمة، ما يقول أن المغرب وهو يأخذ علما بما قررته إسبانيا بشأن الترشيح المشترك مع البرتغال لتنظيم مونديال 2030، لم يشك إطلاقا في ضبابية الموقف الإسباني في قضايانا المصيرية، بل وأن هناك الكثير مما يفضح اللعب على الحبلين، وكان حريا بإسبانيا وهي تأتي بمواقف دالة على هول الصدمة من شراسة الرد المغربي على هذياناتها، أن تدرك بأن المغرب لا يمكن أن يساوم أبدًا في قضاياه المصيرية، وأنه بأي حال من الأحوال لا يمكن أن يقايض نضالاته المقدسة من أجل وحدته الترابية بأي شيء آخر مهما عظم وغلا، حتى لو كان تنظيم كأس العالم.
أن تكون إسبانيا قد نكثت عهدا قطعته على نفسها من خلال رئيس حكومتها، فذاك وزر سياسي وديبلوماسي وأخلاقي يقع عليها هي ولا يفاجئنا ولا يضيرنا البتة كمغاربة، لأننا تعودنا تاريخيا من جيران لنا أن ينكثوا العهود ولا يفوا بالوعود، ولأننا عبر تاريخنا الطويل تحصنا ضد كل أشكال اللدغ والضرب تحت الحزام، وصمدنا طويلا، بجلد وصبر الأبطال وبقلب المؤمن أمام مؤامرات غايتها ترويع الجار ومحاولة إخضاعه والنيل عبثا من كبريائه. 
إن كان لزاما أن يمشي المغرب وحيدا في طريق الظفر بتنظيم كأس العالم، فسيمشي بهامة مرفوعة وبصحيفة بيضاء وبإرادة قوية على كسب الرهان وعلى جعل الفشل مرة أو مرات وقودا لصناعة النجاح.
ولا أعتقد أن إسبانيا التي تأتي بردات فعل كاريكاتورية دالة على أن حجر المغرب حرك الكثير من المياه الراكدة في محيطها المضطرب، قد فاتها أن المغرب انبرى دائما لتنظيم المونديال بشجاعة الذي لا يهاب خًوض التجارب ودخول التحديات، وهو يصنع من كل لحظة إخفاق إصرارا على تحقيق النجاح.
صحيح أننا كمغاربة، كنا وما زلنا ننظر إلى أن تقديم ملف ترشيح مشترك بين المغرب، إسبانيا والبرتغال لتنظيم كأس العالم لسنة 2030، هو أجمل طريقة يمكن أن يحتفل بها المونديال بمائويته الأولى، وأجمل تعبير عن عناق الحضارات والقارات، إلا أن رومانسية هذا التوجه وكل دلالاته وإيحاءته الإنسانية لا يمكن إطلاقا أن يكون على حساب ثوابت وطنية لا تقبل أبدًا بأي من أدوات الرفع أو النصب أو الكسر، لأنها ببساطة ممنوعة من الصرف وممنوعة من التفاوض حتى.
لذلك فإن مثل تنظيم كأس العالم 2030، للمغرب دعامة قوية لتزيل مشروعه التنموي العملاق ضمن رؤية 2030، فإنه سيتوجه بكل ممكنات الخلق والإبداع المتوفرة لأبنائه، لابتكار وجه جديد لهذا الترشيح، ولحشد ما هو أهل له من دعم لمشروعه، من أصدقاء صدقوا ما عاهدوا المغرب عليه، وما تغير لهم لا لون ولا طعم ولا وجه، أولئك الذين لا تطاوعهم أخلاقهم وأصولهم أن يبصقوا في الكأس الذي منه يشربون.
والمغرب الذي خسر خامس محاولة له لتنظيم كأس العالم أمام ثلاث دول تتوسطها قوة عظمى، وتحصل من تقييم الفيفا على ما يدل أنه يقترب كثيرا من التطابق مع معايير تنظيم كأس عالمية من 48 منتخبا، تقدم حثيثا في تنمية وتطوير وتحديث بنياته التحتية برغم الجائحات الوبائية التي ضربت العالم وأنهكت اقتصادياته، لذلك إن اقتضى الأمر أن تطلق المملكة حلما سادسا لتنظيم المونديال، فإنها بلا شك ستفعل وستسمع الجارة إسبانيا وإن أصابها صمم، صوت التحدي الذي ينطلق من ثغورنا ومحمياتنا وزئير الأسد الذي يرتفع مجلجلا كلما فكر أحدهم النيل من كرامة المغرب.