من حق المغاربة أن يغضبوا ويتوجسوا ويبلغ بهم الخوف مبلغه، من هذا الذي ينتجه الفريق الوطني في مبارياته، رسمية كانت أم ودية، من صور الإبتذال والركاكة والخروج عن النص برغم أن الفريق يفوز ولا يخسر.
نغالب أنفسنا بأن نوجد للفريق الوطني وتحديدا لربانه وحيد خاليلودزيتش الأعذار لهذا الترهل الفاضح الذي يوجد عليه الأداء الجماعي، وللصورة المربكة حتى لا أقول القبيحة التي يصدرها الفريق عن نفسه، إلا أننا في النهاية يجب أن نعترف بأن وحيد الذي كان يفترض أن يثمن ويجود العمل الذي أنجز في ترميم الهوية وإظهار الشخصية على عهد هيرفي رونار، وإن اقتضى الأمر أن يبدع طريقا سالكا يمشيه الأسود في مسلك العالمية، لم يتقدم بنا ولا خطوة، بل إننا نعتقد جازمين بأننا ضللنا الطريق، وبأن وحيد خاليلودزيتش أدخلنا في متاهة ومدينة للأحزان، طبعا من دون أن يقصد ذلك.
ما شاهدناه في ودية غانا، وهي مختلفة بالطبع في المقاس التكتيكي وفي الحمولة التقنية، عما سبقها من رسمية عبرت بنا إلى نهائيات كأس إفريقيا للأمم 2021، أشعرنا أن الولادة جد متعسرة وأن الأمل في رؤية فريق وطني يبرز جماعيا ممكناته الفردية الرائعة يكاد يتلاشى، بل وأشعرنا بأن وحيد إما أن يكون قد وقف عاجزا أمام مشهده، وإما أنه اختار المسلك الصعب والشاق لكي يوجد لهذا الفريق منظومة لعب بديلة، برغم أن لا أحد بيننا اعترض على المنظومة التي اشتغل عليها في السابق هيرفي رونار وأعطت للفريق الوطني روحا جديدة.
أن لا يكون وحيد خاليلودزيتش من أنصار الضغط العالي والإستحواذ السلبي والمبالغة في اللعب دائما في مناطق المنافس، فهذا أمر مستصاغ، لأن المدربين في ما يعشقون في الفكر التكتيكي مذاهب، لكن لا يمكن أن نتصور بأن وحيد ليس من أنصار سرعة وجودة الإنتقال من الحالة الدفاعية إلى الحالة الهجومية (الترازيسيون)، وليس من أنصار الفلسفة التي تقوم على نجاعة أسلوب افتكاك الكرة وعدم التخلي عنها بسهولة، وليس من أنصار الإستغلال الأمثل للثروة البشرية التي يتمتع بها وليس من المدافعين عن مبدأ التجسيد رقميا للقوة الفردية التي يتمتع بها، لذلك يحيرنا فعلا أن لا يكون وحيد بعد كل هذه الأشهر التي قضاها على رأس العارضة التقنية للفريق الوطني، وبعد كل هذه المحكات الرسمية والودية التي مر منها، أن لا يكون قد تقدم خطوة في ورش بناء منظومة اللعب التي تؤتمن على الهوية ولا تفرط فيها، أن لا يكون قد كف قلوبنا عن تلقي مزيد من الألم.
كنت شخصيا مع تعزيز الأمل في قدرة وحيد على تسريع الإشتغال في الورش الصعب الذي اختاره هو ليقدم لنا فريقا وطنيا مختلفا، بل وقلت وقد قوي عليه الجدل واللغط بعد الذي تداعى من مباراتي موريتانيا وبوروندي من صور فنية بئيسة، أن مجرد التفكير في الإنفصال عن خاليلودزيتش في هذا التوقيت بالذات هو ضرب من الجنون، وحتى اليوم وبعد الذي شاهدناه في ودية غانا مكرسا لنفس المعاناة والألم، لا يمكن المجازفة بالإنفصال عن وحيد، إلا إذا تأكدنا بعد دخول فرن التصفيات المونديالية أننا نحترق بنيران صديقة، وأنه لا مناص من التغيير تحت الإكراه.
لذلك أقول أن البقاء على هذه الوضعية المربكة هو إنتاج لأزمة تقنية ما كنا نريد قطعا الدخول إليها، وأن مواصلة الفريق الوطني لإنتاج نفس المضمون التكتيكي الشحيح، هو تسفيه للذات وتنكيل بالمغاربة وتغذية للشك، لذلك يحتاج وحيد العنيد إلى قرار حازم، فإما أن يخلص نفسه من هذه الورطة التي أدخلنا وأدخل نفسه إليها، ويبتكر مقاربة جديدة لا تعقد عليه وعلينا الأمور، وإما أن يتحلى بالشجاعة إن استحال عليه الخروج من تلك الورطة التكتيكية، فيرفع الراية البيضاء وينسحب من تلقاء نفسه في صمت ولا يحرق أعصابنا وسفن حلمنا المبحرة، فلا شيء على الإطلاق نستطيع أن نبرر به فشلنا لا قدر الله في بلوغ مونديال قطر وفي أن نكون من السواعد القوية في كأس إفريقيا للأمم بالكامرون، فلا خير يرجى في انتصارات لا تجعلنا نبصر تشوه الأداء، لأنه عندما تكبر الشدائد التكتكية في المباريات المصيرية، لن يستطيع لا وحيد ولا اللاعبون أن يربحوا الرهان بأداء «عيان» و«تعبان» وجالب للهوان..