قدرنا أن يشغلنا أشرف حكيمي مجددا بمستقبله الرياضي وهو يوضع اليوم كأكثر الصفقات جلبا للإهتمام وإثارة للجدل في ميركاطو الصيف الحالي، والذي تدخله أندية العالم بكثير من التحفظ للسنة الثانية تواليا بفعل التداعيات الإقتصادية السلبية لجائحة كورونا.
في نفس هذا التوقيت من السنة الماضية، شغلنا أشرف حكيمي كثيرا بحاضره الإحترافي وهو ينهي سنتي الإعارة من ريال مدريد لبروسيا دورتموند الألماني، فقد كانت الفرضيات التي سيبنى عليها قراره الرياضي كثيرة جدا، وكان عليه أن يكون بمعية وكيل أعماله دقيقا في اختيار الخطوة التي ستلي الإعارة الذكية لدورتموند، والتي لمعت وصقلت المواهب المهارية والتقنية الكبيرة التي يمتلكها أشرف.
كان على حكيمي أن يفاضل بين خيارات كثيرة، إما أن يعود لريال مدريد ويقبل على نفسه العيش في جلباب كاربخال، ولا أحد إطلاقا كان يتوقع أن يعيش الظهير الإسباني موسما أسود بفعل كثرة الإصابات، وإما أن يواصل مع أسود الفيستيفاليا ولكن هذه المرة متعاقدا معه لا معارا، وإما أن يعرج على ألمانيا ليلعب للكبير بايرن ميونيخ، أو أن يدخل عالم البرميرليغ من بوابة أندية ليست على كل حال من مقاس لا المان سيتي ولا المان يونايتد ولا تشيلسي.
وجاءت المفاجأة التي لم يتوقعها أحد، سيقنع حكيمي ريال مدريد بضرورة بيعه لأنه مصر على أن يكون داخل فريق يضمن له مساحة كبيرة للعب، وسينتقل لنادي إنتر ميلان الإيطالي، معللا الإختيار، بأنه اقتنع بالمشروع الرياضي الذي حدد معالمه الفنية المدرب أنطونيو كونطي، وقد جعل من حكيمي أحد أكبر دعامات منظومة اللعب.
كثيرنا تفاجأ، إن لم يكن قد باغثه القرار والإختيار، فالإنتر الذي سينضم إليه حكيمي ليس هو الإنتر الذي نافس بقوة على لقب الكالشيو قبل عشر سنوات، من قبل أن تضع اليوفي هذا اللقب تحت جناحيها، وليس هو الإنتر الذي كان آخر فريق إيطالي يتوج بلقب عصبة أبطال أوروبا سنة 2010، إلا أن أشرف حكيمي سيثبت لنا أنه أجاد الإختيار، وسيثبت أيضا أننا بالغنا في التشكيك بسلامة وجرأة ونجاعة الخطوة التي أقدم عليها، لطالما أنه حقق طفرة نوعية في شكل الأداء الفردي إلى الدرجة التي أصبح معها اليوم هو أفضل أظهرة العالم وأغلاهم، ولطالما أنه ساعد بمعية زملائه، الإنتر على استعادة اللقب المحتكر لعقد من الزمان من جوفنتوس.
لا حاجة لأن نعيد سرد الأرقام الهلامية التي واكبت سنة حكيمي الأولى مع النيراتزوري، فهي ما رفع لمستويات عالية قيمته السوقية برغم أن جائحة كورونا قلصت كثيرا من قيم كل اللاعبين بلا استثناء بوجود خسائر مالية مهولة تكبدتها الأندية وانعكست على سوق الإنتقالات، إلا أن هذا التضخم في قيمة حكيمي هو ما جعل إدارة الإنتر تضع أشرف على رأس قائمة اللاعبين المعروضين على البيع لاستخلاص المبالغ المالية التي يفترض أن تبرزها إدارة الإنتر مع نهاية الشهر الحالي لإبراء الذمة.
صحيح أن في صفوف الإنتر العديد من اللاعبين الذين يقاسمون أشرف نفس القيمة السوقية من أمثال لوكاكو ولاوتارو مارتنيز، إلا أن إدارة النيراتزوري وضعت كخيار أول للبيع أشرف حكيمي، لعلمها أن أندية كثيرة تحلم بوجوده بين صفوفها، وهو الأمر الذي لم يتفق عليه المدرب أنطونيو كونطي فقرر تقديم الإستقالة، لأنه لا يرى مجالا للإستمرار مع بطل إيطاليا من دون حكيمي.
مكره على أن يقرر بشأن خطوته القادمة وهو من كان يظن أن المقام سيطول به في مدينة ميلانو، سيدخل أشرف مجددا بمعية وكيل أعماله الغرفة المغلقة لاتخاذ قرار لا يبقي مجالا للشك في سلامته ونجاعته، فما هو متداول اليوم أن ناديين فقط هما باريس سان جيرمان الفرنسي وتشيلسي الإنجليزي، من استطاعا بشكل أو بآخر الإقتراب من السقف المالي الذي حددته إدارة إنتر لصفقة بيع حكيمي، فإن عرضت باريس سان جيرمان 60 مليون أورو إلى جانب بعض المكافآت على شكل «بونوس»، فإن تشيلسي يقترح مبلغا بقيمة 54 مليون يورو مع لاعب أو لاعبين، وقد تبدو صيغة «البلوز» هي الأكثر أهمية لإدارة الإنتر إذا لم تزد باريس سان جيرمان على عرضها الأول قليلا، ما دام أن إنتر لن تتنازل عن 80 مليون يورو مقابلا لبيع أشرف.
ومن دون استثناء ريال مدريد الذي لم يقل كلمته بعد، ولو أنه لا يرى البتة مجالا لإعادة شراء عقد لاعب بضعف ما باعه الموسم الماضي (45 مليون يورو)، فإن المؤكد أن حكيمي سيحتاج لمساحة تفكير بشأن الخطوة القادمة التي سيقدم عليها، باللعب بالبطولة الفرنسية التي تصنف في العادة رابعة البطولات الأوروبية الخمس الكبرى أو اللعب بالبطولة الأنجليزية التي تتصدر التصنيف العالمي، وتهيئ فنيا وكرويا الظروف الأمثل لمحاكاة الإبداع الكروي.
لو كان علي لفضلت أن يكون تشيلسي هو الفريق القادم لأشرف حكيمي، ليس تقليلا من نادي باريس سان جريمان الذي يحتكم على أقوى ترسانة بشرية ولا يمكن أن يخلو موسمه من ألقاب، ولكن لأن ما سيوفره البلوز والمدرب توخيل لحكيمي سيجعله في صلب منظومة اللعب التي بدع من خلالها مع إنتر في البطولة الإيطالية، الأكثر من ذلك أن اللعب بالبرميرليغ هو بمثابة دخول فعلي إلى قلاع السحر والجمال وتخصيب للمتخيل الكروي..