هكذا هي الهزائم، توجعنا، تؤلمنا، نلعنها، ويكون بودنا لو ندفنها كما العار في التراب، لكن الهزيمة لا يمكن أن تقتص من الجذور ولا يمكن أن تسقط من الذكرة وقد أصبحت وشما، لأن فيها صوتا يجب أن نستمع بإمعان إليه، ولأن في ذاك الصوت حقيقة نريد دائما أن نهرب منها.
وهزيمة الوداد هنا بمركب محمد الخامس بالدار البيضاء أمام كايزر شيفس الجنوب إفريقي، من نوع الهزائم التي تطبق وتجثم على الصدر فتوجعه كثيرا، ولكنها في النهاية تصبح بمثابة الضارة النافعة، لأنها أخبرت مدرب ولاعبي الوداد بما قد نسوه أو أغفلوه لسبب من الأسباب، أن من يصل إلى مباراة بهذا المقاس ولا يكون بأتم جاهزية بدنية وتكتيكية وعلى الخصوص ذهنية يمكن أن يرى منها الأهوال التي رآها الفرسان الحمر وهم يخسرون من هجمة مضادة غادرة ومن انكسار عشرات الأشرعة الهجومية بسبب قوة وشدة الرياح.
بالقطع لا أقول كما قال البعض من أن الوداد البيضاوي خسر أمام قراصنة كايزر شيفس لأنه استسهل المباراة واسترخص الجهد لقهر منافس أكد دور المجموعات ما يوجد بين الوداد وبينه من فوارق، ولا أقول ما يدعيه البعض الآخر من أن لاعبي الوداد استهتروا، فجنوا جراء ذلك لطمة على الخد، بل إن الهزيمة هي محصلة قاهرة ولكنها منطقية لتداخل الكثير من العوامل، بعضها نبهنا إليه، بخاصة لما أمعن المدرب فوزي البنزرتي في الإعتماد على التشكيل الثابت في كل المباريات الماراطونية التي خاضها الوداد على طول هذا الموسم، إلا ما قل أو نذر من تدوير بسبب إكراهات الإصابة أو التوقيف.
والمحبط فيما شاهدناه في مباراة الوداد وكايزر شيفس أن الوداد فرض على خصمه، ما يمكن الإصطلاح عليه بالسيطرة العمياء، بمعنى أن يكون هو المتحكم في المباراة، هو المستحوذ على الكرة وهو الساكن في منطقة المنافس، إلى الدرجة التي يصل فيها الإستحواذ على الكرة إلى 80 بالمائة، ويصل التسديد على المرمى إلى 27 تسديدة، وتكون الزوايا بعدد 16، بل وأن تصل التمريرات بين اللاعبين إلى 669 تمريرة، فكيف لا يثمر هذا الهجوم الكاسح هدفا وكيف لا تحمل كل هذه الغيمات الحمراء قطرة ماء واحدة؟
في كرة القدم كما في الحياة، العبرة لا تكون أبدا بالكم ولكن بالكيف، والوداد مع هذا الكم الخارق من التسديدات ومن الزوايا ومن نسبة الإمتلاك لم يتمكن إلا في النادر من التهديد الحقيقي لمرمى حارس كايزر شيفس، لسببين أولهما أن لاعبي الوداد افتقدوا للحلول المساعدة على إنتاج وضعيات هجومية أفضل من التي أنتجوها، وثانيهما أنهم كانوا يصلون مرهقين ومشتتين لمرحلة الحسم في إنهاء الهجمة، وسيعتمدون في ذلك أسلوبا بات متجاوزا في كرة القدم، الكرات الطويلة والساقطة والتي لم تكن يوما من خصائص أسلوب لعب الوداد البيضاوي المرتكز بالأساس على الهجمة المنظمة.
بالقطع لا يمكن أن نحمل شخصا آخر غير المدرب فوزي البنزرتي مسؤولية هذا الخيار التكتيكي السيء الذي لجأ إليه لاعبو الوداد في مباراة كانت تحتاج منه إلى كثير من الهدوء والتأني في إخراج الكرت وبناء الهجمة بذهن رائق وغير مشتت. 
لماذا البنزرتي تحديدا؟ لأنه إما أنه هو من أعطى تعليماته للاعبي الوداد باعتماد الكرات الساقطة والطويلة وقد بدا له أنه دفاع كايزر به عاهة دفاعية مستدامة، وإما أنه لم يأمر بذلك ولكنه ظل متفرجا على المشهد البديئ من دون أن يحرك ساكنا، وهنا ستكون الزلة أقبح من العذر، لأن مسار المباراة وما كان يجتره لاعبو الوداد من إرهاق بدني وتشوش ذهني، كان يلح عليهم التزام الهدوء وعدم الإستعجال، لأن غير ذلك كان يعني ما شاهدناه من رداءة في البناء ومن تهور في إنهاء الهجمة، ومن إصرار على اعتماد الكرات الطويلة والساقطة، وكأني بالوداد قد تحول إلى فريق إنجليزي في زمن كرته النمطية.
ومع كل هذا لا أحد يمكن أن يلغي حقيقة أن لاعبي الوداد البيضاوي وصلوا إلى هذه المواجهة المفصلية وهم في حالة ذهنية وبدنية لا تساعد على إبراز الشخصية وعلى تجسيد ما يوجد بين الوداد وبين كايزر شيفس من فوارق، وفي ذلك يسأل فوزي البنزرتي عن سر إمعانه في الإعتماد على تشكيل ثابت خلال 16 مباراة لعبها الوداد في غضون شهرين (بمعدل مباراة كل ثلاثة أيام)، بينما كانت الرزنامة النارية تفرض اعتماد نظام المداورة، لأن ما شاهدناه من الوداد في مباراة كايزر مع هذا الكم الكبير من التسديد على المرمى ومن نسبة الإستحواذ العالية جدا ومن غياب للنجاعة، سببه الأكبر عدم صفاء الذهن الناتج عن كثرة المباريات.
ولعل ما يبقي لدينا الأمل في قدرة الوداد على قلب ظهر المجن وعلى العودة متأهلا من جنوب إفريقيا، هو أنه مع الخسارة في مباراة الذهاب لم يكن كايزر الطرف الأقوى، بل إن الوداد هو من حجم قوته وبالطبع لن يتكرر الأمر بجوهانسبورغ، ولو حدث ذلك لا قدر الله لأضاع الوداد وعلينا فرصة القبض على كأس عصبة أبطال نهائيها سيلعب بمركب النار.
ليثق الفرسان الحمر في قدرتهم على كسب الرهان..