لماذا يتملكنا جميعا الشعور بأن الوداد البيضاوي قادر على أن يقلب ظهر المجن ويثأر لخسارته ذهابا هنا بالدار البيضاء أمام كايزر شيفس الجنوب إفريقي، ويعاكس كل التوقعات التي تقول إنه ابتعد كثيرا عن نهائي عصبة الأبطال المقيد له أن يجري هنا في معقل الغريمين، بعد سقطة الذهاب؟
هل هو شعور كاذب؟ أم هو شعور الخيلاء؟
بالطبع لا هذا ولا ذلك، فيقينا أن الوداد البيضاوي خسر جولة الذهاب بمعقله ليس بفعل القوة الرهيبة للفريق الجنوب إفريقي، مع تقديري الكامل للطريقة الذكية التي أدار بها المباراة وكسب منها أشياء لم يكن ليحلم بها، ولكن بفعل كان ظاهرا للعيان، فمن هزم الوداد هو الوداد، فوزي البنزرتي أولا لتعاقب الجنح الرياضية والفنية وحتى التكتيكية من دون أن يتعظ، واللاعبون ثانيا لأنهم المكلفون بتنزيل أسلوب اللعب على أرضية الميدان.
طبعا كأي عقاب تفرضه كرة القدم على كل فريق يدير مباراته بشكل سيء وسمج ولا يغتنم الرياح التي هبت لصالحه، فإن الوداد عوقب بالخسارة لأنه أتى لهذه المباراة تحديدا وهو في حالة متقدمة من الإرهاق الذهني، فكان من نتيجة ذلك أنه افتقد للتركيز في الثلث الأخير من الملعب، وتلقاء ذلك اتسمت خواتيمه بالكثير من الشطط الذي لا يمكن أن يحقق الهدف ولا يمكن أن يساعد على إنهاء الهجمة بالطريقة الصحيحة.
بالقطع لا يمكنني أن ألغى الخصم ولا جدارته ولا حتى ذكاءه في استغلال كل المعطلات التقنية التي ضربت الوداد، ولا يمكنني أن أنكر بأنه سيدخل مباراة يوم السبت على أرضه وهو حاصل على هامش تقني ونفسي كبير لتدبير الفصل الثاني والأخير من المواجهة، إلا أنني على ثقة من أن لاعبي الوداد وبالخصوص مدربهم فوزي البنزرتي أدركوا جميعهم أن العودة للأصل في بناء اللعب والإحجام عن كل التراهات التكتيكية التي شاهدناها هنا بالدار البيضاء، والحصول على ما يكفي من الطراوة البدنية والصفاء الذهني، هم بمقدورهم أن يرفعوا الوداد فوق كل الموانع والمثبطات لكسب رهان العودة ببطاقة الترشح للمباراة النهائية من جنوب إفريقيا.
كيف يمكن للوداد إذا أن يكسب هذا الرهان الصعب؟
بالقطع لا شيء سيأتي من العدم، بل إن الوداد إن نجح في تركيع كايزر شيفس بميدانه، فإن ذلك سيكون لأنه يملك أولا القدرة والأدوات ولأنه يتفوق ثانيا في الخامات البشرية عن منافسه، ولأنه ثالثا لم يعد يملك من خيار آخر غير الفوز بأكثر من هدف، وعندما يكون الفريق مواجها بهذا الخيار الأوحد فإن نسبة التركيز على الهدف تكبر بشكل مدهش، ولعل ما يوجد في فكر وموروث البنزرتي من تجارب، يؤهله لأن يختار للوداد الأسلحة الذهنية قبل التكتيكية التي يمكن أن يحارب بها، وقد صحح تحت الإكراه ما بالغ في ارتكابه من أخطاء، بأن أشرك في مباراة نهضة بركان أول أمس الثلاثاء البدلاء وأراح كل اللاعبين الذي خاضوا مباراة كايزر شيفس.
إن تفاؤل بقدرة الوداد على تجاوز المطب الجنوب إفريقي هناك بجوهانسبورغ برغم خسارة الذهاب، أستمده من كل هذه الأشياء التي أتيت على ذكرها، وأبرزها على الإطلاق أن لاعبي الوداد إن كانوا في أتم جاهزية بدنية وذهنية فلا يستعصي عليهم أمر، والله الموفق.
<< خلافا للوداد البيضاوي الذي ضاق هامش المناورة لديه وأصبح مكرها على مطاردة الخيار الصعب، فإن الرجاء البيضاوي العائد بتعادل سلبي من القاهرة أمام بيراميدز، يبدو في وضع مريح نسبيا وإن كان هو الآخر يحتاج للفوز بأي حصة لكي يعبر إلى المباراة النهائية لكأس الكونفدرالية.
طبعا، بنسبة أقل نتحسر على أن الرجاء لم يتقدم خطوات كبيرة على درب التأهل لنهائي كأس الكاف من جولة الذهاب وهو يهدر بالقاهرة فرصة الإجهاز على بيراميدز تماما كما فعل في دور المجموعات، نتيجة لغياب التوفيق عند إنهاء الكثير من الهجمات الحاملة لبذرات التسجيل، ونتيجة لأنه عامل بيراميدز وكأنه في تيرموميتر التكهنات لا يمثل الطرف المرشح للفوز.
وحتى إن بدا لي وللكثيرين أن الرجاء يملك المقوم البشري وحتى الفني ليتفوق على بيراميدز المصري هنا بالدار البيضاء، إلا أنني وكعادتي دائما أحذر من المبالغة في التفاؤل الذي يجر كثيرا من الإبتذال في الأداء عند الإفراط فيه، فما مر علينا وما مر تحديدا على الرجاء من تجارب كان لها طعم العلقم، وكانت آخرها مباراة تونغيث السينغالي، يفرض لزوما أن يكون الرجاء بكامل تركيزه على تفاصيل المباراة، وأن يكون مالكا للقدرة على التعبير جيدا عن ممكناته التقنية والتكتيكية، وبخاصة أن يحترم نادي بيراميدز الذي لا يعتبر التعادل الأبيض بالقاهرة مذلة له أو حكما عليه بالإقصاء، الإحترام الذي يوجب الإحتراس واليقظة ولا يجلب الوجل والخوف.
والمؤكد أن الرجاء البيضاوي الذي يملك رصيدا بشريا رائعا وتقاليد كروية راسخة وشخصية نافذة ومؤثرة بقوة على المباريات، بمقدوره أن يقترح على مباراة يوم الأحد مضمونا تكتيكيا ثريا وقويا ينتهي بتحقيق الفوز الذي ينقل النسور إلى نهائي مسابقة قارية، يجمع أغلبنا على أن الرجاء أكبر منها، وإن كان غاية ومنتهى ما نتطلع إليه جميعا هو أن يلعب الرجاء نهائيها ويجني لقبها، فذلك خير وبركة..
من أجمل ما يحضرني عند إنهاء هذا الوداد والرجاء في أن نرى النهائيين الإفريقيين يتزينان باللون المغربي، بيت شعري لأمير الشعراء أحمد شوقي في رائعته «سلوا قلبي» ويقول:
وما استعصى على قوم منال 
إذا الإقدام كان لهم ركابا.