إحتاج نسور الرجاء إلى رباطة جأش وإلى كثير من اليقظة لتدبير مباراة غاية في التعقيد أمام نادي بيراميدز لاجتياز الحاجز الأخير الذي كان يفصلهم عن المباراة النهائية، فبعد أن استحال تحقيق الفوز هناك في القاهرة، كان لزاما أن تنتهي مباراة الإياب بمركب محمد الخامس بالدار البيضاء بمتأهل لنهائي وصله نادي شبيبة القبائل الجزائري من دون كبير عناء لضحالة وهشاشة المنافس (نادي كوطون سبور الكامروني)، ومع وجود هذه الحتمية بضرورة حسم الأمور هنا بالدار البيضاء، كان لزاما أن يكون النسور على درجة عالية من الحذر حتى لا يحلقوا في السماء المصادرة والمحظورة.
ولعلكم تذكرون أنني حذرت من تعاطي الرجاء مع نادي بيراميدز بالصورة التقنية وبالهيئة التي كان عليها في دور المجموعات، عندما نجح النسور في ضرب الهرم المصري ذهابا وإيابا بخماسية في المباراتين، وقد كان مفيدا لهم أن يشاهدوا بأم العين ما حدث مع الغريم الوداد في عصبة الأبطال، عندما لدغ من جحر كان يظنه آمنا، عندما لم تنفعه الرباعية التي ضرب بها كايزر شيفس الجنوب إفريقي ببوركينا فاسو في دور المجموعات، ركن إليها مستأنسا بقوته وفارق الخبرة عن كايزر فأصيب في مقتل وكانت النتيجة المؤلمة تبخر حلم الوصول للنهائي للمرة الثانية تواليا.
لا أقصد أن لاعبي الرجاء توجهوا لملاقاة بيراميدز في الدور نصف النهائي لكاس الكاف وهم يستسهلون الحاجز الذي يفصلهم عن النهائي، أو لا يبدون قلقا حيال ما ستأتي به المواجهة، ولكن القصد أن الدور نصف النهائي سيلعب في سياق فني وتكتيكي مختلف، وأن الطريق التي كنا نظنها سالكة قد تبرز لها منعرجات ومنحنيات خطيرة، وهو ما كان بخاصة في مباراة الإياب هنا بالدار البيضاء، حيث لم يفلح النسور برغم كل تحليقاتهم الهجومية وبرغم كل تنويعاتهم التكتيكية في إخضاع نادي بيراميدز والنيل من تنظيمه الدفاعي الجيد، لتنتهي مباراة الإياب بذات الأصفار التي انتهت بها مباراة الذهاب، ويكون الإحتكام للضربات الترجيحية التي رجحت كفة الرجاء.
لا يلام لاعبو الرجاء في أي شيء، بل لا يعتبوا على أنهم لم يستنسخوا في الدور نصف النهائي ما فعلوه ببيراميدز في مباراتي دور المجموعات، بل يجب أن يهنأوا على أنهم أبقوا على الحذر وأبدا لم يلتقطوا الطعم القاتل الذي رمى به بيراميدز في المباراة، صحيح أن الرجاء لم يكن جريئا ولا جسورا في ضرب المنظومة الدفاعية لبيراميدز والتي تم وضعها بإحكام، إلا أنه يحسب للاعبي الرجاء أنهم مقابل ذلك لم يكشفوا في أي لحظة ظهرهم، ولم يتوانوا في تأمين المنطقة فمع ضرورة البحث بكل الوسائل عن هدف التقدم والتأهل، لم يجازف الرجاء أبدا بتعرية منطقته الدفاعية.
طبعا لا أحد سيعتبر أن وصول الرجاء البيضاوي لنهائي كأس الكونفدرالية إنجازا كما هو الحال مع شبيبة القبائل، فإن كان الفريق الجزائري بهذا الذي حققه طوى أخيرا سنوات الوجع والإنتظار، ليحضر المشهد الختامي للمنافسة القارية بعد أن غاب عنه لسنوات طويلة، فإن الرجاء يصل نهائي الكاف للمرة الثانية في آخر أربع سنوات، وهو في ذلك راغب في أن يحقق اللقب الثالث له في مسابقة الكاف ليعادل به الألقاب التي تحصل عليها في عصبة الأبطال.
وبرغم ما ستكون عليه المباراة النهائية لكأس الكاف يوم العاشر من يوليوز الحالي أمام شبيبة القبائل بكوتونو البنينية، من ندية وقوة وإثارة لطبيعة المواجهات المغربية والجزائرية التي تلعب في العادة بطقوس الديربيات، إلا أن الرجاء سيلعب هذا النهائي بتصميم عال على الفوز باللقب، سلاحه في ذلك ممكناته الفنية الفردية والجماعية، خبرته الإفريقية وعلى الخصوص الحافز الكبير لكل مكونات الرجاء للإبقاء على كرة القدم المغربية في دائرة الأضواء.
بالطبع يجب أن يحسب لسعد الشابي مدرب الرجاء، لشبيبة القبائل الحساب المنطقي والموضوعي بلا مبالغة وبلا إجحاف، لا ينقص من مقدرات المنافس شيئا ولكن لا يضفي عليه هالة لا يستحقها، كما يجب عليه أن ينتصر من حيث التدبير والمجاراة للفكرة الغالبة والمأثورة التي تقول بأن النهائي يربح ولا يلعب، من دون أن يكون ذلك محرضا على تحجيم دور الهوية الرجاوية في توجيه النهائي نحو النهايات السعيدة التي ننتظرها جميعا، فالرجاء لا يمكنه أن يكون في هذا النهائي بالذات من دون تلك الهوية، حتى لو تطلبت المباراة أسلحة تكتيكية غير التي اعتاد عليها النسور.