كان قضاء وقدرا أن يسلم الفقيد العزيز محمد مفيد الروح لبارئها أول أمس السبت، ولكن في تزامن هذا الرحيل الموجع مع حدث الألعاب الأولمبية بطوكيو وهي تتحدى بإصرار عجيب جائحة كوفيد 19، ما يجعلنا ونحن نقف عند السيرة الطيبة والغنية لفقيد الرياضة الوطنية المرحوم بمشيئة الله، السي محمد مفيد، نتذكر موسوعية الرجل ونجاحه الكبير في التقلب مسيرا ومؤطرا ومربيا أيضا بين العديد من المسؤوليات وداخل العديد من الرياضات، ونعترف له أيضا بدفاعه المستميث لعقود من الزمن، عن القيم الرفيعة التي ألصقها الفرنسي دو كوبرتن بالألعاب الأولمبية الحديثة.
ساعدت البنية القوية لمحمد مفيد الإبن البار لإحدى ثغور ومحميات المغرب العميق، بحاضرة إنجيل التابعة لإقليم بولمان، أن يقبل بتوصية من أساتذته على ممارسة الرياضة، وتحديدا كرة اليد التي أبدع فيها لاعبا للنادي المكناسي وبعده للوداد البيضاوي، ما أهله ليكون لاعبا للفريق الوطني وينتمي للجيل الأول من العباقرة الذين عرفتهم كرة اليد المغربية إبان الإستقلال.
وإسوة بكثير من أقرانه في ذاك الزمن الجميل، سيبرع محمد مفيد في الجمع بين الحسنيين، التحصيل العلمي الذي سيقوده ذكاؤه الفطري والمكتسب لأن يركب صهوته بفرنسا التي سيحصل بها على شهادة مهندس دولة في مجال الإتصالات الفضائية، والممارسة الرياضية من المستوى العالي بفضل ما تهيأ له من تكوين قاعدي وقتذاك.
ونتيجة لهذا الشغف المزدوج، ستربح الرياضة المغربية رياضيا، سيتشبع سريعا بفكر حداثي للتأطير والتسيير، كيف لا وهو من نجح في إدارة مرفق الطيران المدني ل17 سنة كاملة ليكون رجل دورة بامتياز، وسيبرز إسمه سريعا في جامعات كرة اليد والتنس وكرة القدم التي تقلب فيها بين عديد من المناصب، مقدما الدليل تلو الآخر على براغماتيته وأكاديميته وعلى الخصوص شغفه الذي جعل منه مرتكزا لحوار الحاضر والمستقبل للرياضة المغربية.
تعود معرفتي بالراحل محمد مفيد إلى ثلاثة عقود من الزمن، تحديدا إلى الفترة التي عمل فيها رئيسا منتدبا لجامعة التنس وكان القائد وقتذاك طيب الذكر الأسطورة محمد امجيد، إلا أنني اقتربت منه كثيرا عندما ضمه لفريق عمله الجينرال دو كور دارمي حسني بنسليمان على رأس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، فقد جمعتني به رحلات كثيرة خارج المغرب كان يتولى خلالها رئاسة وفد الفريق الوطني، وقدر لي أن أحدد بالتقريب جغرافيا العشق عنده لحد الإحتراق ومساحات التفكير لديه والتي لا حد لها، فقد كان رجلا موهوبا في تبسيط الإشكاليات وفي إبداع الحلول والبدائل، ولو أنني شديد اللوم لمن لم يحسنوا الإستماع إليه في فترات اعتزاله التسيير على مستوى الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم.
ووقفت عند حدود اللوعة وبساطة المنشأ والإعتزاز الكبير بالروافد، وأنا أرافق الفقيد محمد مفيد في ندوات كنا ندعى إليها، إما ليتحدث للناشئة عن مساره العلمي والرياضي بكل أبعاده الأسطورية والعصامية، وإما ليقيم نقدا موضوعيا ومعلمنا للمشهد الرياضي الوطني المخترق من قبل الكثير من الممارسات الهجينة على حد تعبيره، وقد كان آخر ما قرأته له دراسة أتقن تصميمها، عن الأدوار التي يجب أن تناط بالرياضة في نموذجنا التنموي الجديد، انطلق فيها من المعيقات البنيوية والهيكلية التي تحول دون تطور الرياضة الوطنية وجرد كل مسببات العطل المزمن الذي يصيب الرياضة، وانتهى في دراسته القيمة تلك إلى ضرورة اعتماد الرياضة رافعة أساسية للنموذج التنموي الجديد، لأنها قادرة على أن تنهض اجتماعيا واقتصاديا بعدد من الحواضر والمداشر المغربية التي تفتقد للجاذبية السياحية ولكنها لا تعدم الرأسمال البشري، واشترط لذلك استراتيجية وطنية تعيد ربط الرياضة بمهماتها الاجتماعية والتربوية قبل التنافسية.
لا أعتقد أنني فرطت شخصيا في أي لحظة إلتقيت فيها بالمرحوم محمد مفيد، لأنهل من معينه الذي لا ينضب، برغم أنني أسجل على مشهدنا الرياضي الوطني قصوره في الإستماع لمرجعياته، ومن هذه المرجعيات طبعا، السي محمد مفيد الذي كان والله يشهد على ذلك مفيدا لوطنه، معلمة لمدينته وفخرا لعائلته.
رحمك الله صديقي العزيز.