مستحيل أن نجعل للضغط النفسي الذي جثم على أذهان لاعبي الرجاء قبل مواجهتهم للاتحاد السعودي في نهائي كأس محمد السادس للأندية العربية الأبطال، حجما وسعة، لأن لا أحد غير اللاعبين شعر بقيمة الحدث وبتوقيته، بتاريخية اللحظة وأيضا بجلال ورهبة الموقف.
لذلك وجدتني أشفق على لاعبي الرجاء وأكثرهم ما زال في سن صغيرة، لهول الضغط النفسي الذي حاصرهم، فقد كان الصعب جدا أن نستصيغ ضياع فرصة تتويج الرجاء بهذا اللقب، لأن لا لقب آخر يماثله في القيمة وفي الإستثنائية وفي كتابة التاريخ.
من حرص الإتحاد العربي لكرة القدم على رفع التداعيات السلبية لجائحة كورونا التي تفرغ إلى اليوم الملاعب المغربية من الجماهير، ومن إرادته التي لا تلين أبدا، لتمتيع حدث النهائي بالجاذبية والجمال الذي يعبر عن جوهر وسمو الفكرة، ويغطي نسبيا على خلو المدرجات من سحر الجماهير، فقد اختار لهذا النهائي توقيتا يعني لنا كمغاربة الكثير، فاليوم المقرر للنهائي هو يوم احتفالنا بزين الشباب، بعيد ميلاد ملكنا الهمام.
وعندما يقترن الكأس إسما بالملك الغالي، ويقترن موعد النهائي بيوم عيد لنا جميعا، لا يطلب من لاعبي الرجاء ومن مسؤوليهم وطواقمهم التقنية والطبية شيء آخر غير الظفر بهذه الكأس حتى تبقى في المغرب فلا تبرحه، مهما كلفهم ذلك من جهد.
طبعا اعتبرنا كل هذا الذي أوردناه تحفيزات معنوية قوية، بل وقوة جذب رهيبة يمكن أن ترفع النسور الخضر إلى مدارات تصنع فيها الدهشة، إلا أن الضغط كان واقعا ليس منه خلاص، وقد كان ضروريا أن يلعب الرجاء هذا النهائي باستحضار كل الحوافز الذهنية، ولكن من دون تجاهل المخزون البدني المحدود جدا قياسا بالمنافس اتحاد جدة السعودي، فقد كان خوفي كبيرا على لاعبي الرجاء أن تحملهم البدايات المجنونة للمباراة إلى حدود الإفلاس البدني.
لم يكن بيننا من يتصور أن هذا النهائي سيكون نسخة شبه أصلية لإياب الديربي العربي المجنون الذي وضع الرجاء في مواجهة الغريم الوداد، مع اختلاف الشخصيات والطقوس، إلا أن ما أرسلته المباراة من البداية، كان شهابا لمع في سماء الرباط، قال بأن ما سنعيشه شيئا خارج كل التوقعات والتنبؤات.
خطف الإتحاد السعودي هدفا مبكرا من تنفيذ ماكر لواحدة من ضربات الخطأ التي باتت مرسما لأهداف كرة القدم الحديثة، ولم يتأخر الرجاء كثيرا في الرد، فوقع هدف التعادل بالطريقة ذاتها، وأخذته أريحيته التكتيكية لكي يكشف عن كثير من سوءات الإتحاد الدفاعية، فسجل هدف التقدم بواسطة الوردي، وعندما تصورنا أن النسور سيسجلون المباراة باسمهم، ويصادرون كل نزق لعميد الأندية السعودية، إذا بخطأ على مستوى الوسط يأتي بإعصار ينتهي بضربة جزاء لا خلاف على صحتها منها سجل رومارينيو هدف التعادل.
طبعا ما شاهدناه بعد ذلك، كان سجالا من الفريقين معا في ارتكاب جنح دفاعية، تعزى في حقيقة الأمر لأمرين إثنين، أولهما أن بالإتحاد غيابات مؤثرة بخاصة على مستوى رجال العمق الدفاعي، وثانيهما أن الرجاء افتقد للطراوة البدنية التي تساعد على مصادرة الإنتفاضة الهجومية لفريق يعتمد في تحليقاته على لاعبين مهرة وبخاصة البرازيلي رومارينيو وكورنادو المجلوب حديثا من نادي الشارقة الإماراتي، وقد شاهدنا لذلك مجسما كبيرا عندما كان الرجاء متقدما بأربعة أهداف لهدفين وسمح للاتحاد بالتوقيع على ريمونطادا رهيبة.
ولأن الرجاء لعب نهائيا حاسما بل وتاريخيا في توقيت صعب للغاية، وبذلك يعذر في كل التجاوزات التي حدثت على مستوى الرقابة وبناء العمق الدفاعي، فإن الحكمة كانت تقتضي والإتحاد يعود مصهللا من بعيد، أن يتم كبح جماح المنافس وترويض سعاره، وطلب ابتسامة الحظ عند تنفيذ ركلات الترجيح، ما دام أن نظام البطولة لا يسمح بالشوطين الإضافيين عند انتهاء الوقت الأصلي متعادلا.
وإذا كنا نحن من تابعنا المباراة من بدايتها المجنونة لنهايتها المخبولة بضربات الجنون، قد انقطع نفسنا، فإن لاعبي الرجاء يهنأون من صميم القلب لأنهم أتوا في النهائي بما يعجز كل وصف مهما كان بليغا، هزموا قلة التنافسية وهزموا فلول الضغط، وهزموا مجرد التفكير بشيء آخر غير التتويج باللقب..
لم يكن غريبا ذاك الذي شاهدناه في ذلك اليوم، لأنه صوت من أسطورة رجاء الشعب وسطر في ملحمة يكتبها النسور الخضر جيلا بعد جيل.
هنيئا من صميم القلب لرجاء الأمل والأفراح بلقب ما أغلاه، وعلى الأفراح دائما موعودون يا أبناء وطني..