أبدا ما كنت معترضا على تشبيب الكوادر التقنية المشرفة على العارضات التقنية للأندية الوطنية، كما لم يحسب علي مرة أنني عارضت كثافة الحضور الأجنبي في البطولة الوطنية، ولكن لا هذا ولا ذلك سيجعلني أتجاوز عن معيار الكفاءة والأهلية والقدرة على تقديم الإضافة، في كل هؤلاء الذين يؤتى بهم للإشراف على الأندية بخاصة تلك التي تنتمي للبطولة الإحترافية الأولى.
أن يشرع الباب أمام أطر تقنية شابة حصلت على ما يكفي من العتاد الفكري والتقني والتكتيكي للإضطلاع بمهام دقيقة وحساسة، لا يعني إطلاقا التضحية بلا أدنى وازع، لا رياضي ولا أخلاقي، بمدربين حضروا لسنوات في المشهد الكروي، مؤثرين وفاعلين ومحققين للطفرات النوعية التي شهدتها الكرة الوطنية في حقب زمنية ماضية بتحقيق ألقاب وبتخريج أفواج من اللاعبين المهرة، والأسباب المشهر بها، أن هؤلاء يغالون في طلباتهم المادية ويضيقون الخناق على المسيرين، بل ويشددون على ربط أي تعاقد بوجود مشروع رياضي.
لم يعد هناك فيما يبدو مكان لعبد القادر يومير الذي كان أول مدرب مغربي يتوج بلقب إفريقي مع الكوكب المراكشي سنة 1996، ولا للإطار عزيز العامري الذي أهدى المغرب التطواني لقبين للبطولة الإحترافية، مع أن الرجلين وصلا بالكاد لمرحلة النضج الفكري، وكان المآل الحزين ليومير وللعامري، سيكون هو مآل الزاكي بادو ورشيد الطوسي وجمال فتحي، لولا أن الجامعة تفطنت لقيمتهم الرياضية وضمتهم على الفور للإدارة التقنية الوطنية وكفتهم شر الدخول في تقاعد مبكر.
لقد اخترنا طواعية للإسفاف الذي يلازم التدبير الرياضي للأندية، أن نزج بهؤلاء وغيرهم في غياهب النسيان، بحجة أنهم تقادموا وباتوا خارج التغطية، وبحجة واهية تنتشر بين الناس وهي أن هؤلاء، فكر تقني متجاوز ولا أمل يرجى منه.
لا أحد بيننا سيقبل أن نرمي في عرض البحر تجارب ميدانية عمرها ثلاثين سنة، وغيرنا يستثمر فيها برغم ما يوجد من فوارق لا يستقيم معها القياس، لإنجاح استراتيجية تعزيز الهوية وصناعة التغيير، ولو فرضنا أن هؤلاء أرهقهم الضغط النفسي القاتل الملازم لمهنة التدريب اليومي، والذي يصبح عندنا لضحالة كثير من المسيرين أكثر فتكا، فإن الإستثمار في تجاربهم الميدانية يكون بتعيينهم مدراء رياضيين أو مشرفين على أكاديميات ومراكز التكوين، بعد حصولهم على التكوين العلمي الذي يساعد على المرور من وضعية إلى أخرى.
وحتى أدلكم على الفوضى العارمة التي تحكم المشهد التقني الوطني بخاصة في بطولة النخبة، فإن المشرفين على العارضات التقنية للأندية، لا يتوحدون لا فكريا ولا رياضيا في أي رؤية أو استراتيجية منظورة، بل إن كثيرا منهم لم يتم اختيارهم وفق معيار تجويد الأداء الجماعي والإرتقاء بالمنظومة التكتيكية، بل الأكثر من ذلك أن المعيارين اللذين حضرا في اختيار أغلبهم، أنهم حاملون لرخصة كاف ألف، وهذا فرض عين لا مناص منه، وأنهم مستعدون لابتلاع ألسنتهم كلما استدعى الأمر ذلك، فلا أحد بين مسيري اليوم يقبل بالمدرب المجادل والمزايد حتى لو كان مدربا كفئا وحتى لو كان بعض أو جل كلامه حق أريد به باطل.
لا تستطيع بطولتنا الإحترافية أن تتطور للأفضل وأن تصبح بالفعل منصة للإبداع والتميز، بالملاعب الجيدة فقط وباللاعبين المكونين فقط وبأسلوب العمل الإحترافي فقط وبالبرمجة العالية الدقة فقط، فكل هذه الرافعات على أهيمتها لا تصل في القيمة وفي قوة السند، لكفاءة المدربين الذين يقودون العارضات التقنية للأندية، لأنهم هم من ينشطون أساليب اللعب، وهم من يبدعون أنماطا تكتيكية متطابقة مع الثقافة المغربية، وهم من يرفعون من القدر التقني للاعبين ويكتشفون ما بداخلهم من مواهب.
قبل سنوات مر على الإدارة التقنية الوطنية من طالب بضرورة توحيد منظومة اللعب لإفراز هوية واحدة، يكون ذلك مساعدا لمنتخباتنا الوطنية في الحصول على لاعبين بنفس المقاسات التكتيكية والبدنية، وذهبنا في ذلك مع الشعور بالنقص الكبير في جودة المنتوج الوطني من الأطر، إلى التعاقد مع مدربين من مدرسة أوروبية واحدة، حصل ذلك في سبعينيات القرن الماضي، عندما كانت الإستعانة بمدربين ينتمون لمدرسة أوروبا الشرقية، بالطبع لا أحد اليوم سيطلب شيئا مشابها، ولكن ما سنطلبه هو أن تحرص الجامعة من خلال الإدارة التقنية الوطنية على أن تضع ضوابط ومعايير أخرى غير معيار الحصول على رخصة كاف ألف، لاستيراد المدربين من الخارج حتى لا يحكم على أطرنا بالعطالة المبكرة وحتى نفرض الجودة الفكرية العالية في الذين يؤتى بهم لمشهدنا الرياضي.
مطلوب من الجامعة أن تنتشل هذه الكفاءات الوطنية المهملة من الأندية، حتى لا نفجع وهي تحترق أمامنا بنار اليأس..