لم يصرفنا استوزار فوزي لقجع رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، وحمله لحقيبة حكومية هي من جنس اختصاصه الذي برع فيها بشهادة خبراء الموازنات، وما صاحب ذلك من أسئلة بدت وكأنها معلقات الخوف والتوجس، عن مطالعة الجديد الذي جاء به الفريق الحكومي وعلى رأسه السيد عزيز أخنوش، فما حدث مرة من المرات التي شهدت تشكيل فريق حكومي في الزمن السياسي المغربي على امتداد فصوله، أن انشغلنا بحقيبة أكثر من حقيبة الشبيبة والرياضة، ليس الحقيبة فقط بل أيضا حاملها والأمين عليها.
وخلافا لكل المرات، حتى التي اندمج خلالها قطاع الشباب والرياضة مع قطاعات أخرى، فإن الرياضة جاءت هذه المرة مقترنة بالتعليم الأولي ومسندة للسيد شكيب بنموسى الذي خبر في كل المقامات التي وضع فيها والمسؤوليات الحكومية التي تقلدها، التدبير الجيد لمرفق حكومي يمثل رافعة قوية في منظومة العمل، وأكثر منه في البرنامج التنموي الجديد.
الملاحظة الأولى التي تستوجب التحليل والإستقراء للقبض على الدلالات والإيحاءات، هي أن الرياضة بعد زاوج سياسي طويل، إنفصلت عن الشباب، وأعتقد أن هذا الفصل هو نتاج لتراكمات كثيرة واستجابة لمطلب الخبراء الذين أجمعوا أن الرياضة بإرثها وبتحولاتها وأيضا بمؤشراتها الاقتصادية والإجتماعية، كانت تحتاج لأن تعامل من الدولة كقطاع مستقل بذاته، وما أكثر ما ناديت شخصيا بهذا الأمر في هذه الزاوية التي تبقي أثر الكلام، وفي كل المنتديات التي حضرتها مبديا وجهة نظري في تضاريس الرياضة الوطنية وإشكالاتها الآنية.
والحقيقة أن ما جاءنا به السيد عزيز أخنوش، ليس انفصالا معلنا للرياضة عن قطاع الشباب الذي انضم لقطاع الثقافة، ولكنه انفصال عن الشباب وزواج مع التعليم الأولي، وتلك إشارة يجب أن نلتقطها جيدا لنقرأ أولا مسببات هذا الزواج السياسي الجديد، ولنرصد ثانيا تداعياته على النسيج السياسي الوطني، وإن نحن أجدنا القراءة والرصد، هيأنا لهذا الزواج السياسي للرياضة بالتعليم الأولي، الأرضية التي تؤتي أكلها في الزمن القريب وتفيض عليها بالخير الذي انتظرناه سنين كثيرة.
أذكر أنني دعيت من طرف المجلس الإجتماعي والإقتصادي والبيئي وقد كان رأسه السيد شكيب بنموسى، لأعرض أمام بعض من أعضائه مسببات التنزيل البطيء للإستراتيجية الوطنية حول الرياضة والتي تمخضت عن المناظرة الوطنية حول الرياضة، وأسهبت وقتها في الحديث عن العوارض الكثيرة التي تفرمل العمل الرياضي وطنيا وتعيق التنزيل الجيد للإستراتيجية الوطنية للرياضة، والتي كانت قوية ومتكاملة في مبناها الأول، إلى أن انتهيت في عرض الخلاصات، للجزم بضرورة فصل الرياضة عن الشباب، ما دام أن لقطاع الرياضة مشاتل عديدة ومتشعبة تقتضي رفع الأداء الحكومي لمستويات عالية، وأيضا للقول أن من خياراتنا الإستراتيجية لبناء مشهد رياضي وطني متماسك وقوي، إعادة الحياة للرياضة المدرسية والجامعية باعتبارها رافعة أساسية للمنظومة الرياضية ومشتلا قويا لإبراز المواهب.
لذلك أرى في الجمع بين قطاع التعليم الأولي وقطاع الرياضة، ما يؤكد أن هذه أفضل صيغة ممكنة لتجاوز سنوات من القطائع ومن التلكؤات في ربط الرياضة بالمؤسسات التعليمية، ربطا نستحضر معه التجربة الرائدة للولايات المتحدة الأمريكية، التي بنت رياضتها القاعدية وحتى رياضة المستوى العالي على دعائم المؤسسات التعليمية، وهي التجربة التي طورتها دول أخرى فأحدثت ما بات يعرف بنظام دراسة ورياضة.
لقد أكثرنا كإعلاميين، ومعنا طائفة من الباحثين والخبراء في مجال وضع الإستراتيجيات، الحديث عن أن ما تعانيه الرياضة الوطنية من وهن في تصدير نفسها للعالم عن طريق المنافسات الكونية، سببه أن هناك من يهدم كل القناطر التي حاولت حكومات وسياسات وضعها بين التعليم والرياضة، وسببه أن الدولة لم تكن حاسمة في ربط الرياضة بقطاع التعليم، الربط الحتمي والمحصن من هلوسات وأهواء من لا يفهمون أبعاد هذا الزواج.
منتظر اليوم من السيد شكيب بنموسى وبين يديه ميثاق التربية والتكوين كرافعة أساسية لتنزيل البرنامج التنموي الجديد الذي هو من أكبر رهانات الفريق الحكومي، ومقررات جلسات الإستماع التي سهر على إعدادها وتأطيرها المجلس الإقتصادي والإجتماعي والبيئي، بخصوص الرياضة وأجرأة الإستراتيجية الوطنية حول الرياضة في أفق 2020، لكي يحدد جيدا قواعد الزواج المنتظر بين التعليم والرياضة، الزواج الذي يعيد الحياة للرياضة المدرسية والجامعية، والزواج الذي يرفع رياضتنا لمرتبة عالية في ترتيب دول العالم، ويجعل الرياضة تؤدي دورها الكبير في تنمية الإنسان والوطن.