عندما أطلب من ضمير الزمان، لأكتب عن «المنتخب»، تصبح مالحة في فمي الكلمات.. أصاب بعسر.. أتحامل على نفسي لأنظم الأحرف وأصفف الجمل، فما يطلب مني تحديدا، هو أن أكتب عن نفسي، وما أتقنت يوما حرفة الكتابة عن نفسي، قد يكون ذلك مبتدءا لتواضع أرجو من الله أن يزيد في سعته، ولكنه في الحقيقة عجز مصرح به، ف»المنتخب» هي أول أبنائي الذين رزقت بهم بفضل من الله، وأكاد أجزم أنني أعطيتها أكثر مما أعطيت لأبنائي، سهر الليالي، وفكر بالسهاد والمعاناة لا يبالي، سفر طويل لا ينتهي في دروب مشتعلة بالمنافسة بحثا عن التفرد والتميز، ف»المنتخب» يوم أطلقت صيحتها الأولى يوم 29 أكتوبر من العام 1986، قالت عن نفسها بثقة الشجعان، أنها ستكون نفسها وذاتها، لا مستنسخة ولا متحورة، ستجمع ما تفرق في غيرها وستحضن بالحب من مشى في طريقها أو في المسير عاكسها..
ولعلي في ذلك نسخة كربونية من زميلي ورفيق دربي وتوأم روحي، مصطفي بدري الذي يرافقني منذ 35 سنة في هذا المسير الجميل والعسير، مسير بدأناه ثلاثة من شرفات دوحة قطر وقد عزمنا على الرحيل والسفر، وبقينا منذ نحو 25 وعشرين سنة نقلب الدروب بعد أن قرر ثالثنا، الزميل محمد بنيس عافاه الله وأطال في عمره النزول في المحطة العاشرة. 
«المنتخب» التي بوأت نفسها صدارة المشهد الرياضي، صائنة للذاكرة ومنصة للتأريخ والتوثيق وصناعة التغيير، وعززت في مشهدنا الإعلامي الوطني التوجه الذي لا مناص منه نحو التخصص، هي اليوم جزء لا يتجزأ من التاريخ الرياضي الوطني، فما سجل عليها على مدى 35 سنة أن غابت عن مشهد الأحداث والتحولات والمقاطع الكبرى، وقد تحملت في ذلك بأناة وصبر الكثير من الغارات، ما كان يأتي من مشهد رياضي وطني بطيء السير نحو عوالم الإحتراف والإلتزام وشيم الإعتراف، وما كان يأتي من الذين أزعجهم أن يطل صوت «المنتخب» مجلجلا في المدى، يرتفع عند الأفراح والإنجازات لكي يعقلن الإحتفال، ويصدح بقوة عند الأتراح والخيبات لكي يدعو إلى الإشتغال على نواحي النقص ومناحي الإختلال.
وحتى عندما طالت علينا ليالي المعاناة، نرقب فجر الفرج ونتطلع بإيماننا القوي إلى انفراجة تجلي الظلام الدامس، لم نكن نستجد ولا نتأفف، لا نقف عند العتبات لنطلب الصدقات، فقد كان لنا من البداية ميثاق شرف لا نتزحزح عنه، أن ندافع بضراوة عن كبريائنا ولا ندع شيئا يجرحه وأن نصون مهنيتنا فلا ندعها تتلطخ بأوبئة العصر..
أبدا لم تبن «المنتخب» يوما، وقد طال عليها أمد المعاناة، حائطا للتباكي والتشكي، ولا هي قالت وقد غدت للرياضة الوطنية مرجعا وللرياضيين معبدا، أن من حقها على الرياضة الوطنية وعلى الإعلام المصداقي أن تصان كرامتها وتحفظ ديمومتها، لقد فعلت المنتخب من وحي كل السنوات التي أثثت خلالها المشهد الرياضي الوطني وحتى العربي والإفريقي، ما هو أصل وجودها وكنه فلسفتها، أن تقاوم بالعرق والجهد والمكابدة جاذبية الفشل لتظل كما كانت دائما، متربعة على القمة، قمة العقول والقلوب والوفاء للجودة وللمهنية.
لقد أثبتت «المنتخب» في سنواتها الخمس وثلاثين، على أنها عصية على الإندثار ومحصنة ضد الإنهيار، حدث ذلك في مواجع زمنية كثيرة، ما زلنا نذكرها جيدا، لأنها كانت متعبة ومرهقة لي ولزميلي مصطفى بدري، كان آخرها جائحة كورونا التي قدمت فيها «المنتخب» كمطبوعة مواطنة، الدليل على أن تاريخها وقيمها ومهنيتها هم فعلا حماتها، فبينما تبخرت في الهواء صحف وهدمت صروح ومنارات إعلامية بسبب القفر الإعلاني وتداعيات أزمة المقروئية، أماطت «المنتخب» اللثام عن وجهها النضالي، فجعلت من الكوابح، محركات ضغطت عليها لتخترق السراديب المظلمة ولتتجاوز حالة الإفراغ المهني التي لازمت الإعلام الوطني في ظل جائحة لم تبارح مشهدنا بعد.
لم تفعل «المنتخب» هذا الذي يسميه البعض معجزة ويصفه البعض الآخر انتحارا، إلا لأنها تملك في قرائها العزاء والسند والدعم الذي يصنع الطاقة الإيجابية، لذلك نحن على العهد باقون، بنفس روح التضحية متحلون، ولخدمة القراء مرابطون في مدائن الخوف والتوجس، نسأل من الله العون والمدد لنظل دائما وأبدا على العهد.
و«المنتخب» بالطبع هي أنتم قراءنا، الرأسمال والزاد، وهي أيضا كل هؤلاء الفرسان الإعلاميون والمبدعون في القسم التقني، الذين دخلوا «الزاوية» على فترات فخدموها بلا هوادة، منهم من قضى نحبه رحمة الله عليه، ومنهم من ترجل ليدخل مرابط إعلامية أخرى، ومنهم من لا يزال إلى اليوم يخدم هذا الصرح الإعلامي متصوفا في حبه..
إلى كل هؤلاء الفرسان، صادق الشكر والإمتنان، فقد أقاموا الدليل والبرهان، أنهم أهل لثقة «المنتخب» وأهل لكل إئتمان.