كعادته التي لا تنقطع، شدنا إليه الجمع العام للرجاء البيضاوي، بما يسبقه من إحماءات ومن مناوشات وبما يشهده على الناصية الخضراء من تصادم جميل للأفكار تحت غطاء الحب الأزلي للرجاء، وما وجدت كغيري، أن هذا الجمع العام الذي أصر المنخرطون الذين هم صوت الحكمة في إعمال ما يمكن وصفه بالمسؤولية الرقابية، على أن يعقد حضوريا، برغم المتاريس التي نصبتها السلطات الصحية باسم أحكام جائحة كوفيد، سار على هدي ما سبقه في العقدين الأخيرين من جموع، عندما نزع حكماء الرجاء عن أي تناظر سنوي للفريق كل فتيل لإشعال الأزمة وكل جحر لافتعال الخلاف، بل وجعلوا هذا المربط الأخضر منزها عما شاهدناه سابقا من تلاسنات وتناحرات وسفاهات وإفساد للود.
قمة الديموقراطية، أن يكون الرجاء النادي والكيان، قد جعل من جمعه العام بيتا للحكمة والمساءلة وتجديد اللحمة والزيادة في قوة ومتانة خراسانات البيت الأخضر. كان وجها ديموقراطيا جميلا، أن يتسابق لقيادة الرجاء بعد أن تأكد رحيل رشيد الأندلسي لنهاية التفويض الذي حصل عليه بعد استقالة جواد الزيات، ثلاثة متنافسين جمعوا حولهم أعضاء تم اخيارهم من النخب التي يحفل بها البرلمان الأخضر، وكان أقوى تعبير عن هذه الديموقراطية، أن المكتب المديري الذي قاده رشيد الأندلسي، مارس كامل حقه في المسؤولية والوصاية، في أن طلب الإجتماع بالمتنافسين الثلاثة على الرئاسة، ليستمع إلى برنامجهم وليتعرف على خطوط الحلم والأمل والواقع في رؤاهم وخرائط أمانيهم، وتوج هذا العرس الديموقراطي للرجاء، بأن مر الجمع العام، منصة الحكمة والحكامة في تدبير الإنتماء للقبيلة الخضراء، في ظروف جيدة تبرز حقيقة الوعي الذي يسيطر على منخرطين، إذا ما جرى انتقاؤهم بطرق موضوعية وشفافة، ضمن الفريق الحصول على نخب مؤهلة ليس لتحمل مسؤولية التسيير ولكن قبله، ممارسة الرقابة على الجهاز التنفيذي الذي هو المكتب المديري، وإعمال العقل في اختيار من سيصعد لغرفة القرار.
بالطبع لم يكن اختيار أنيس محفوظ رئيسا للرجاء من قرابة 65 بالمائة من المنخرطين أو من الأصوات المعبر عنها، من أجل سواد عيونه، ولكن جرى هذا التنصيب الديموقراطي من قبل برلمان الرجاء وفقا لقناعات راسخة، لعل أبرزها أن أنيس هو الحامل للبرنامج المتطابق مع واقع الرجاء والأكثر واقعية في تحديد سقف الإنتظارات.
راهن منخرطو الرجاء على تجربة الرجل وقد تمرس لسنوات بالعمل التسييري في واحد من أصعب وأعتى الأزمنة التي مر منها الرجاء، وهو يصارع طواحين أزمة مالية تفرم ولا ترحم، وراهنوا على براغماتيته والتي كان برنامجه عاكسا لها، وتأسسوا أيضا في الإختيار على حدس مسبق بأن الرجل سينجح في بناء قلعة للرجاء محصنة ضد النوبات والهزات المباغتة، وسينجح في رفع مؤسسة الرجاء إلى مستويات متقدمة في التدبير الإداري والرياضي والمالي، بل وسيمكن الرجاء من أشرعة اقتصادية قوية، تمكن المركب الأخضر من أن يبحر بأمان في بحور شديدة الهيجان.
محفوظ الذي قال أنه حافظ للود، صائن للعهد، مبرمجا لقيادة الرجاء من مجد إلى مجد، سيدعى إلى كثير من الإختبارات، لعل أولها، قدرته على أن يمنح من يومه للرجاء ما يستحقه من زمن لمباشرة كل الملفات الثقيلة، فقد كنت دائما أقول أن من يأتي لقيادة أندية كبيرة من عيار الرجاء، لا يمكن أن يتصدق على الفريق مما لم تستهلكه في يومه مشغولياته الأساسية والتي هي مورد رزقه ورزق العائلة، لذلك ما زلت عند موقفي من أن أنديتنا الكبيرة تحتاج إلى إدارات إحترافية تسيرها مجالس متفرغة، فما يتزاحم داخل اليوم الواحد من مهام يحتاج إلى مقاربة جديدة في التدبير.
لو كان نسبة كبيرة ممن صوتوا في مواقع التواصل الإجتماعي، قد أقروا بأن أنيس محفوظ ليس هو رجل المرحلة، قد استندوا في ذلك على معيار العاطفة وما يخبر به قلب العاشق المنفطر، فإن شبه الإجماع الذي حصل عليه محفوظ في الجمع العام من برلمان الرجاء، هو بالتأكيد صوت العقل الذي يرتفع فوق الشك ليقر بأن الإختيار كان من جنس التحديات التي تنتظر النسور الخضر..