هل يرى غيرنا فريقنا الوطني بالعين نفسها التي نراه بها نحن؟
بمعنى آخر، هل يوجد ما يبرر هذا الفارق المهول بين الشكل التحفظي الذي نضعه نحن لفريقنا الوطني بنهاية دور مجموعات الدور الإقصائي الثاني لكاس العالم، والتي صنفته رقميا كأفضل المنتخبات العشرة المتأهلة للدور الحاسم، والشكل الهلامي الذي يضعه خبراء ومراقبون ومحللون أفارقة وغير أفارقة لأسود الأطلس، وقد أكملوا الدور الثاني بالعلامة الكاملة؟
غيرنا يقول إن الفريق الوطني وهو يسجل ستة انتصارات متتالية ولا يهدر أي نقطة من النقاط 18 المتاحة، هو أفضل ما يوجد اليوم على الساحة الإفريقية، بل ويرشحونه ليكون متنافسا بقوة على اللقب الإفريقي، ولا يرون له مكانا غير مونديال قطر في العام القادم.
أما نحن، فمن فرط قلقنا من المضمون الفني للمباريات وما يسجل على منظومة اللعب من اختلالات تفسد جمالية العمق التكتيكي، لا نريد أن ننخدع لا بالأرقام ولا بالذي تنطق به الأرقام، فهل نحن محقون في ذلك؟
هناك من يقول أن فريقنا الوطني ما حقق في سابقة تاريخية هذه العلامة الكاملة، إلا لأنه أولا تواجد في مجموعة بها منتخبات ضعيفة، ولأنه ثانيا لعب كل مبارياته على أرضه، ولم يتحمل في أي مرة عناء السفر خارج المغرب، إلا ما كان من مباراته بكوناكري أمام غينيا والتي أجهضها الإنقلاب العسكري، وهو كلام مردود عليه، ولا أظنه سيشفي غليل كل من سأل عن سر هذا القلق الذي ينتابنا من فريقنا الوطني المتأهل بالنقاط كاملة، كثاني أفضل خط دفاع بعد مالي وثاني أفضل هجوم بعد الجزائر، لأن اللعب دائما بالميدان لا يضمن إطلاقا انتصارات بهذه الحصص الثقيلة، كما أنه من المعيب اليوم الحديث عن منتخبات قوية وأخرى ضعيفة.
شخصيا، أعتبر أن ما قدمه الفريق الوطني خلال هذه التصفيات من رسائل، وما يقوله عنه صعوده المتواتر في التصنيف العالمي للمنتخبات، كفيل بأن يجعل الآخرين يخافون ملاقاته في الدور الحاسم لتصفيات المونديال، بل إن منتخبات من القبعة الثانية تقول أن حظوظها في التأهل ستكون كبيرة، فيما لو تجنبت المغرب في الدور الحاسم، وقد كان من أطرف التعقيبات التي سمعتها من محللين ضالعين «أعطونا منتخبا لا يلعب جيدا ويفوز دائما، فذاك أفضل عندي من منتخب يلعب جيدا ولا يفوز أبدا».
ما يؤرقنا حقيقة في فريقنا الوطني، من دون أن نبخس هذا الذي أنجزه في مسار التصفيات المونديالية، هو أننا إلى الآن لم نشهد مولد منظومة تكتيكية تلبس الفريق الوطني الأداء الذي نرضى عنه، أو لنقل أن كل هذا الذي فعله وحيد خليلودزيتش منذ أول يوم جاء فيه، لم ينتج أسلوب لعب، لا نقصد به الفرجة، لأن هذا ليس هو ما نريده، ولكن نقصد به التطابق مع الممكنات الفردية، ويجب أن يضع وحيد في ذلك نفسه موضع المساءلة، لأنه إن جزمنا اليوم أن الحلقة الأضعف في تركيبة الفريق الوطني هي وسط ميدانه، أيا كان الرسم الهندسي الموضوع له، فإنه من حقنا أن نتوجس ونخاف، لأن ظهرنا الدفاعي سيتعرى لا محالة عندما نلاقي الأقوياء، بسبب أن وسط ميداننا لا يحسن لا الإسترجاع ولا البناء.
ولو نحن عدنا إلى مضمون المباريات الست التي بدأت بمنازلة السودان وانتهت بملاقاة غينيا، لوجدنا أن وحيد دعم جيدا أجنحة المنظومة التكتيكية (الدفاع والهجوم)، لكنه للأسف لم يتمكن إلى الآن من تقوية وسط الميدان الذي هو محرك الطائرة، ولا أعتقد أن مرد ذلك شيء آخر غير إصرار وحيد خليلودزيتش، بهاجس الحفاظ على النواة الصلبة حتى لو كان ذلك على حساب معيار التنافسية، إصراره على المناداة على لاعبين بخاصة الذين يشكلون هذا الوسط، وهم لا يحصلون داخل نواديهم سوى على دقائق معدودات من اللعب.
بالقطع لن تكون كل هذه الأرقام التي يجرى الحديث عنها في منتديات وبرامج حوارية غير مغربية، بصيغة الإنبهار، وهي كذلك لتاريخيتها ولرمزيتها، خادعة لنا أو حتى للمدرب وحيد، لأننا نحسن رؤية أنفسنا بالمرآة، ولأننا في شبه يقين على أن الفريق الوطني لم يصل بعد لدرجة متقدمة في الصلابة والمتانة، بسبب ما يعتور البناء التكتيكي بخاصة في وسط الميدان من تشوهات، يجب الإسراع بإزالتها وأسودنا في الطريق للكاميرون لإنجاز مهمة ثانية في كأس إفريقيا للأمم بالكاميرون مطلع العام القادم، بعد الأولى التي أداها بنجاح وهو يعبر الدور الثاني لتصفيات كأس العالم بمبارياتها الست من دون خطإ. 
نتوجس، نقلق، نسائل الناخب الوطني عن كل الإنتكاسات التكتيكية التي يشهدها وسط الميدان، هذا أمر طبيعي، لكن أن نعتبر أن هذا الإكتساح الذي أنجزه الفريق الوطني في مجموعته، هو محصلة خادعة، فهذا ما أعتبره حبل مشنقة نضعه على أعناقنا، بدل أن يكون طوقا من حرير يساعدنا على مشقة المسير العسير.