سيخلد هذا الذي شاهدته وإياكم بالعين المجردة في افتتاح كأس العرب العاشرة في ذاكرتنا العربية والجماعية، سيخلد طبعا، بكل الذي فتن العيون من مشاهد احتفالية، ومن نظم فيه الكثير من العبقرية والنوسطالجية، حتى جاء حفل الإفتتاح بالخيمة العربية مبهرا يعجز فعلا كل من له بيان لغوي أن يصفه الوصف الدقيق..
جاء حفل الإفتتاح بكل الإيحاءات على موروثنا الفكري والحضاري، وبكل الرسائل القوية التي وجهها، والمستنفرة للهمم الناعسة، راقيا في صنعته ونظمه، ورائعا في إخراجه، تماما كما جاءت المباريات الأربع الأولى لكأس العرب مثقلة بالأشياء الجميلة التي إن لم تجعلنا نادمين على أننا فرطنا في تجمعنا الكروي العربي، ولم نأمن عليه من عاديات الخصومات ومن نزوة النرجسيات، أيقظت فينا ذاك الشعور بأن لا مجال لطول التباكي على الأطلال المتهاوية، عندما يكون بمقدورنا أن نعيد بناء الصرح من جديد..
ما نشاهده هنا على أرض الواقع، بدوحة العرب التي أستطيع أن أصور لكم مقدار شساعة البون والفارق بين ما كانت عليه لما جئتها شابا يافعا سنة 1984منضما للكتيبة الإعلامية الأقوى في تاريخ الصحافة الرياضية، بمجلة الصقر المأسوف على رحيلها، وبين ما هي عليه اليوم، وهي على مسافة عام كامل من أن تنال الحظوة بأن تكون عاصمة لكرة القدم العالمية من خلال استضافتها للمونديال. فقد ارتفعت ناطحات تغازل هام السحاب ونبثث حدائق غناء تتماهى مع جمال واحات الصحراء. 
إلى اليوم، وبرغم الذي تشاهدونه مبهرا من ملاعب هي في واقع الأمر تحف هندسية ما رأت عيني طوال تجوالي بين دول العالم نظيرا لها، ما زالت قطر تصل الليل بالنهار لتجعل من خيمتها موطنا للدهشة والإبهار، لتكون بالفعل لحظة استثنائية في زمن المونديال، هناك طرق تشق، وخطوط توصل بالطول والعرض، لتجعل للإبداع مسارا مدهشا، وهناك سواعد تبني بلا كلل ولا ملل ما بقي من صروح، فكأس العالم ليس مجرد ملاعب من الجيل المبهر، بل هو حياة يجب أن تعاش، برفاهية ورغد ومتعة ترسخ في الذاكرة..
قطر التي جعلت من جياني إينفانتينو، أول رئيس للإتحاد الدولي لكرة القدم يلقي كلمته باللغة العربية (والشكر هنا لزوجته اللبنانية لينا الأشقر التي غمرت بيته بالبهجة والطقوس العربية)، في افتتاح مونديال العرب بخيمة العرب، أكدت لكل من لا يزال يخامره شك، ولكل من لا يزال يتخندق في كهوف التيئيس مدعيا ومفتريا، أنها ماضية في حلمها العربي الكبير، ألا تنظم كأسا عالمية هي الأولى في محيطها فحسب، بل أن تنظم بعد عام من الآن مونديالا هو الأروع والأجمل والأبهى في تاريخ هذا الحدث الرياضي الكوني..
ونأتي للحديث عن هذه النسخة المبهرة من كأس العرب، النسخة العاشرة بالطبعة المونديالية، لنسائل مشهدنا الكروي العربي عن كل الأشياء التي تتخفى ولا تكاد تبين وسط هذه العاصفة من الإعجاب والتفاخر والتباهي، فإن حققت كأسنا العربية حتى قبل أن تكتمل النجاح الذي لم نكن يوما نتوقعه أو نحلم به، هل نربط ذلك برعاية الفيفا له؟ أم بعروبة قطر في سعيها لإخراج مسابقة كل العرب من مرقدها؟ أم بحالة من الصحوة حدثت لدينا لنحرر الأحلام من معاقلها؟
لا خلاف على أن كأس العرب التي لم نشهد لها منذ سنة الميلاد قبل 58 عاما، سوى 10 نسخ، بما فيها هاته التي تستضيفها قطر اليوم، تعرضت كحال كل الذي يعبر عن عروبتنا ومشتركاتنا التاريخية لصدع كبير ولاختراقات أكبر، فلا أجد فيما تذرعنا به لسنوات طويلة، من أن عدم اعتراف الفيفا بكأس العرب، هو ما أفسد عليها تداولها بيننا في دورات زمنية محددة، ما يلغي مسؤوليتنا جميعا في أننا أهننا هذه المسابقة وبخسناها، فنلنا على ذلك ما نستحق..
غدا ستنتهي كأس العرب هاته بجمالها وإبهارها وسحرها، وستجف الأقلام وتطوى الصحف، وستكون المسؤولية التاريخية الأخرى والأكبر، مسؤولية الإتحاد العربي لكرة القدم ومسؤولية الإتحادات الوطنية الأهلية الوصية علة كرة القدم، في استثمار هذا الإرث الجميل الذي ستمنحه النسخة الحالية لكأس العرب للجيل الحالي، فلا ذكرنا هذه النسخة ولا عددنا لها محاسن، إذا لم نأت كعرب بما هو أجمل منها، تحقيقا لحلم الشباب العربي، واحتفاظا على بقي في قناديلنا من ضوء يشيع النور في خيمتنا العربية.