حظيت قبل أيام بفرصة التواجد، في منصة حوارية وبحثية ينذر أن نجد لها مثيلا في تدبيرنا اليومي للمشهد الرياضي الوطني، وبخاصة ما تعلق منه بالإعلام الذي يشكو لغاية الأسف كثيرا من الأعطاب والهشاشة.
كانت المناسبة أن المجلس الإقتصادي والإجتماعي والبيئي، تبنى من خلال لجنة الشؤون الإقتصادية والمشاريع الإستثمارية، مبادرة خلاقة لمقاربة الإقتصاد الرياضي المغربي، بنيته الحالية، طريقة اشتغاله، إكراهاته وتحدياته، وكان المحرض على تخصيب النقاش، هو أننا جميعا بتنا على اقتناع كامل، بأن الرياضة هي إحدى رافعات التنمية الوطنية، وهي إحدى أكبر المحركات الإجتماعية والإقتصادية..
وللأمانة وجب من باب الإعتراف بالفضل لأهله، أن المجلس الإقتصادي والإجتماعي والبيئي، يسجل في السنوات الأخيرة شجاعة في تحريك المياه الآسنة في نهر الرياضة الوطنية، فقبل أن ينكب على مقاربة الوضعية الحالية للإقتصاد الرياضي الوطني، كانت له مقاربة علمية وميدانية للإستراتيجية الوطنية حول الرياضة، أطلع جميعنا على مخرجاتها القوية، وقد كنت من بين الذين جرت محاورتهم في مفاصل هذه الدراسة..
وكان من وعي لجنة الشؤون الإقتصادية والمشاريع الإستثمارية عند تفكيكها لخيوط الإقتصاد الرياضي للوقوف على بنيته الحالية ومدى سعة أفقه، أنها استحضرت الإعلام الرياضي كواحد من رافعات هذا الإقتصاد، فاختارتني مع الزميلين العزيزين أمين بيروك وكريم حضري، لكي نقدم كل بحسب تراكماته ومرجعياته ومجال اختصاصه وحجم معيشه، إحاطة شاملة عن الإعلام الرياضي، طرق اشتغاله، بنيته الإقتصادية وطبيعة علاقته بالرياضة الوطنية..
وتفرعت عن النقاش الكثير من المداخل، ما تعلق بوضعية القطاع الصحفي الرياضي، بالفاعلين، بالحكامة وأرقام المعاملات ووضعية السوق، وعلى الخصوص أهم الإكراهات التي تواجهها الصحافة الرياضية في ظل تشعب المنافذ والمنابر والمنصات وتداعيات الجائحة وما إلى ذلك..
ومع اعتقادي الجازم بارتباط الإعلام ارتباطا عضويا بالفعل الرياضي، حتى أن الواحد منهما لا يمكن أن يستغني عن الثاني، ومع قناعتي الكاملة أن هشاشة الإعلام الرياضي وأعطابه ومؤرقاته لا تنفصل عن هشاشة الإعلام الوطني في كليته، فإنني ألححت على ضرورة عدم فصل أي هيكلة أو تقويم للرياضة الوطنية في هيأتها الإقتصادية، لتكون بالفعل رافعة للتنمية ومصدرة للثروة ومساعدة على ترسيخ الهوية، عن الإعلام، فلا يجب أن ينظر للرياضة بمعزل عن الإعلام بخاصة منه ذاك الحاضن للكفاءات، المالك للمرجعية، والقادر على الإستجابة لحاجيات سوق الرياضة والمتمكن بطبيعته وتقاليده الصحفية، من الإنفتاح دائما على مسرعات التطور التكنولوجي في مجال التواصل والإتصال، أو ما بات يصطلح عليه بالإعلام الحديث أو الإعلام المتجدد..
وقد وجدتني، برفقة الزميلين بيروك وحضري، نشدد على أن البنية الإقتصادية الصحيحة لوسائل الإعلام الرياضية، والتي يساعد عليها وجود شركاء ورعاة ومحتضنين يؤمنون بالدور الإستراتيجي للإعلام في رفع التنمية الرياضية للمستويات التي تؤهل الرياضة لتكون رافعة اقتصادية واجتماعية فإنمائية، هذه البنية الإقتصادية التي تتقوى تدريجيا، لابد وأن تكون قائمة على الدعامات الأساسية للإعلام البناء، الدعامة المهنية والأخلاقية والقيمية، الدعامة الإقتصادية التي تستدعي نموذجا متقدما ومتطابقا لإدارة المقاولات الإعلامية، ثم الدعامة الهيكلية والتي تقوم على التطوير والتحديث والتحيين، للإستغلال الأمثل لمسرعات التطور التكنولوجي في عالم الإتصال..
وقد انتهيت في مقاربتي للوضعية الحالية للإعلام الرياضي إلى ما أعتبرها مخرجات، نستطيع معها أن نجود الوضع الإقتصادي للإعلام الرياضي، الذي يفخر الرياضيون المغاربة بأن جريدة المنتخب ورقية كانت أم إلكترونية، كانت وما تزال واحدة من أقوى مرجعياته..
وكان من هذه المخرجات:
أولا: إعادة صياغة المشهد الإعلامي الرياضي الوطني بتفييء مقاولاته، بحسب المرجعيات المهنية وبحسب الوضعيات الإقتصادية وبحسب القواعد التي يمكن أن تتأسس عليها المشاريع المستقبلية.
ثانيا: دعم المقاولات الصحفية الرياضية، حفاظا على مرجعيتها وقيدوميتها وباعتبارها حاضنة للكفاءات ومالكة للقدرة المهنية على مصاحبة الرياضة في تطور بنياتها وحكامتها.
ثالثا: التشجيع على تعدد الصوت الإعلامي السمعي البصري لرفع الجودة، بدعوة الهاكا إلى تخفيف الإجراءات لإطلاق قنوات إذاعية وتلفزية بخاصة منها المتخصصة في الرياضة.
رابعا: تأطير وتوجيه سوق الإشهار الوطني ليساعد المقاولات الصحفية على مقاومة الهشاشة الإقتصادية، والتأكيد على دور المؤسسات الإقتصادية الوطنية في استدامة التأثير الإيجابي للإعلام الرياضي، وللمقاولات الإعلامية المواطنة على الوجه القبلي.
خامسا: تجاوز أشكال الإحتكار على مستوى إنتاج الصورة أو الخطاب الإعلامي الرياضي الوطني..
هناك كفاءات إعلامية وطنية لا يتم للأسف استغلالها لخلق قنوات تلفزية رياضية تؤكد ريادة المغرب إفريقيا وعربيا.
سادسا: دخول الشركات والمؤسسات الإقتصادية كفاعل مباشر في تنمية المقاولة الصحفية الرياضية، لتكون رافعة وشريكة في إنتاج الخطاب الصحفي الرياضي المتوازن والبناء.
في النهاية، واعتبارا لقيمة الإستماع التفاعلي وخصلة التوجه لذوي الإختصاص دونما إقصاء أو لامبالاة، واللتين جسدتهما لجنة الشؤون الإقتصادية والمشاريع الإستثمارية في مقاربتها مشكورة للإقتصاد الرياضي الناشئ بالمغرب، فإنني مع جزيل شكري لرئيس وأعضاء اللجنة، واثق من أن حلقة النقاش الموسعة بالحس الوطني الحاضر فيها، ستخرج لا محالة بمخرجات نحن في أشد الشوق إليها وأكثر من ذلك، سنكون أكثر منها بحاجة لأن تجد كل المخرجات طريقها للتفعيل.