هل نصدق أننا وصلنا لآخر الحكاية؟ 
هل نصدق أن تجمعنا العربي الرائع في خيمة الخير والحب هنا بدوحة العرب سينفض، ولن نذكر منه إلا ما تغنى به العالم قبلنا من مبهرات العرض ومنمقات الصورة وجمالية الذكريات التي ستنطبع في الذاكرة؟
هل نصدق أننا بلغنا نهاية السفر العجيب، وسط دروب كأس العرب، بهدي من نيازك السحر والجمال هنا في قطر؟
تلك هي الحياة، فصول تعقبها فصول، وأزمان تتوالى، فيها ما يسرنا وفيها ما يسيئ لنا، ولكن ما كان عليه هذا الزمن المقتطع من مواجعنا العربية، في صورة المونديال العربي الذي باح أول أمس بآخر أسراره، ما عمنا في واقع الأمر نحن العرب من الخليج إلى المحيط، إلا بالسرور والحبور، وكيف لا يكون سرورا وهذا الذي شاهدناه في عاشر نسخ كأس العرب هنا بقطر كان مبهرا وجميلا وفاتنا..
كيف لا يكون ما عشناه لمدة 22 يوما في خيمة العرب حبورا، وقد تمازجت كل الصور الدالة على عمقنا التاريخي، على تراثنا المحمول على بساط الحضارة، على توحدنا في ظل التنوع، لتعطي في النهاية هذا المشهد السوريالي الذي فتن العالم والناس أجمعين..
نعم، وصلنا لنهاية خط السير، مشوار أنهيناه كما بدأناه، يافعين، حالمين، مترجين ومؤملين أن نثق أخيرا في مشتركاتنا العربية الأصيلة، فنحن في النهاية امتداد لحضارة، لأسطورة، لفن عيش وحياة، دال على عمقنا التاريخي..
ومن كان شاهدا ومشاهدا لهذا الزخم الإبداعي الذي صدرته كأس العرب، في أي مكان كان من هذا العالم الذي حولته تكنولوجيا الإتصال إلى قرية صغيرة، أيقن أن العرب إن وعدوا صدقوا، وإن قالوا فعلوا، ولتسقط كل الأطروحات المارقة التي ضج بها التاريخ الحديث والمخترق، التي أسقطت علينا سفها وعلنا، وظلمنا أنفسنا كثيرا بأن رددناها فيما بيننا، أطروحة أننا نتفق على ألا نتفق، فهذه كأس العرب بطبعتها المونديالية، أكدت لمن عنده شك، أن عروبتنا أقوى من كل اختراق، بدليل أن من كان بطلا لكأس العرب هو كأس العرب..
بالطبع تعرفت النسخة العاشرة لكأس العرب في الخيمة والبيت المشرعين على الحب والجود والكرم، على بطلها الذي سيخلد إسمه من اليوم في ذاكرة التاريخ، المنتخب الجزائري الذي قلت شخصيا وقد تخلص من الدور ربع النهائي بضربات الحظ من منتخبنا الرديف، أنه ماض نحو اللقب، وهو ما كان، لكن ما سيذكره العرب أن هذه النسخة هي الأرقى والأجمل والأروع، ليس فقط بكل المنتخبات التي وضع كل منها لمسته وبصمته في لوحة الخلود، ولكن أيضا بالجماهير العربية التي تعانقت وتوحدت في الهوية العربية على اختلاف جنسياتها ولهجاتها، فما وحد بين كل هذه الجماهير وسط الكثير من مسببات التفرقة المنتشرة كالطفليات في ساحاتنا العربية، هو الإنتماء للتاريخ الواحد، للدين الواحد وللوطن الواحد، وكان التعبير عن ذلك في المدرجات خلال كل المباريات بصور، وترنيمات وأناشيد أظهرت أننا كعرب نعرف كيف نحتفل بموروثنا وبأصولنا وبهويتنا ولا حاجة لأن نتعلم من الآخرين..
كل هؤلاء كانوا لهذه النسخة نجوما، لكن البطل المطلق، بلا جدال ولا نقاش، هو قطر الحضن والخيمة والبيت.
في ملاعب مبهرة وجميلة جمال الإبداع العربي، في خيمات حافظت على الهوية والموروث العربيين، استضافتنا قطر لتسكننا في بؤبؤة العين، فلا شعرنا بغربة ونحن بعيدين عن الوطن، ولا شعرنا بطول المسافات الفاصلة عن الأهل، لأن الأشقاء القطريين كانوا لنا أهلا ويا لروعة المعدن..  
إنتهت بالتأكيد النسخة الأجمل بين كل ما سبق من كأس العرب، وما هو آت سيكون مسؤولية الإتحاد العربي لكرة القدم ومسؤولية كل الإتحادات والجامعات الوطنية لاستدامة الإرث وروعة التجمع وعظمة النجاح، لجعل كأس العرب موعدا ترقبه كل الأجيال لتتلاقى ولتحتفل بقيم كرة القدم، وقد سهلها إنفانتينو علينا جميعا، عندما قال أن كأس العرب ستستمر برعاية من الفيفا، وفي اعتقادي هذا هو النجاح الكبير..