هل يوجد بيننا، مغاربة كنا أم أفارقة، من لم يصبه بالمهانة كل هذا الذي تربص بالنسخة الكاميرونية لكأس إفريقيا للأمم فأحالها إلى مهزلة بكل المعاني القدحية للكلمة؟
من كل جانب أحاط بهذه النسخة سفاهات وتراهات، ومن كل حدب وصوب تعرضت النسخة الكاميرونية للكان، لوابل من الطلقات والإشاعات، كثيرها مغرض ومختلق ومخترق للمشهد، هذا صحيح، ولكن بعضها لغاية الأسف ينبئ بما عليه قارة إفريقيا من حال يستحق الرثاء، كيف لا وما تفعله أحيانا إفريقيا بأحداثها السيادية، عندما لا تضع لها خطوطا حمراء يحظر تجاوزها، يقول بمطلق الأمانة أن إفريقيا لا تعذر بكونها تركت الحبل على الغارب، وأن الكونفدرالية الإفريقية الحامية للعرين والوصية على الإرث والقائمة على السيادة، تنازلت كثيرا، تسامحت كثيرا واستحقت بالفعل أن تكون بابا مشرعا للفضوليين ينسفون ويشيعون وأحيانا يتسيدون..
بالدوحة، حيث تواجد الجنوب إفريقي باتريس موتسيبي رئيس الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم مدعوا لحضور نهائي كأس العرب، وأيضا منظما للسوبر الإفريقي الرابع من نوعه الذي تستضيفه قطر، ووضع الرجاء البيضاوي بالأمس في مواجهة الأهلي المصري، اجتمع بمن معه وبمن لم يتواجدوا من أعضاء اللجنة التنفيذية بالدوحة عبر تقنية المناظرة المرئية، لترسيم قرار نهائي بشأن تنظيم الكاميرون لكأس إفريقيا للأمم، إما أن ينعقد المونديال القاري في زمانه ومكانه، وإما يتم مجددا تأجيله أو ترحيله..
من دون حاجة لإيراد ما لم نكن شهودا عليه في هذا الإجتماع الساخن، برغم أن تسريبات تحدثت عن وجود انقسام بين الأعضاء، ما بين ملح في الإبقاء على الحدث في مكانه وزمانه، وبين من يدعو للتأجيل للأسباب التي يتم تداولها على أكثر من صعيد، فإن ما انتهى إليه الأعضاء، هو تفويض الرئيس موتسيبي لينتقل من الدوحة إلى ياوندي على وجه السرعة، ليتقصى حقيقة الأمر على أرض الميدان، وبعدها يعود للجنة التنفيذية ليضع أعضاءها في صورة اكتمال جاهزية الكاميرون من عدمها، ثم يكون القرار النهائي الذي لا رجعة فيه..
المثير في الأمر أن موتسيبي مأخوذا بما شاهده من الكاميرونيين من قمتهم لقاعدتهم، سيطلق العنان للسانه ليقول ما كان يجب أن يقوله أعضاء مكتبه التنفيذي لاحقا بصوت الإجماع، فما وجد كثير منهم والغضب ينطلق كالشرر، حاجة لأن يصدقوا على قرار اعتمده موتسيبي بالفعل، وهو يقول أن الكان سيلعب بالكاميرون في موعده، وأن إفريقيا لا يمكن أن تبقى حقلا للإشاعات وجحرا تعشش فيه النوايا الخبيثة، وهذا ما يستفزني حقيقة في قارة إفريقيا، التي نحن من أبنائها ولا يجوز إطلاقا أن نتنكر لها، أو ألا نحبها مهما لنفسها أساءت..
يحزنني بالفعل أن تكون كأسنا القارية وعرسنا الكروي الإفريقي مرتعا لكل هذه الإساءات والإهانات والتقرحات، يحزنني حقيقة ونحن على بعد 15 يوما من انطلاق الحدث، أن كونفدراليتنا ستنطق بالقرار النهائي في حق بطولة قارية، وأن الأندية الأوروبية تنصب عمدا الحواجز للحيلولة دون أن يؤدي لاعبوها الأفارقة واجبهم الوطني اتجاه منتخباتهم، وأكثر من هذا وذاك أن يستطيب المقال للسيد إنفانتينو الذي رفعته إفريقيا لرئاسة الفيفا، فلا يفتأ يردد أنه يعارض إقامة كأس أمم إفريقيا مرة كل سنتين، ويعارض تنظيمها شتاء، لأن هناك مصالح كبرى للأندية الأوروبية لابد وأن تصان، وما حدث مرة أن ارتفع لإنفانتينو صوت ليقول حرام أن لا تستفيد إفريقيا شيئا من لاعبين خرجوا من رحمها وباتت قيمهم السوقية بالملايير من اليوروهات.
الذين يتحججون بأن تنظيم إفريقيا لمونديالها مرة كل سنتين وشتاء يعطل المصالح الأوروبية، عليه أن يقف عند نقطة السيادة، لأن هذا شأن قاري لا يبحث داخل إفريقيا ولا خارجها، وإذا كان هناك من الأندية من تلوح أنها ستمنع اللاعبين الأفارقة من الإنضمام لمنتخباتهم، فإن هناك قوة الإنتماء والوطن التي ستسحق نرجسيتها وتطاولها..
وإذا كان هناك من سيقول أننا نعيش عصفا جديدا لجائحة كورونا بمتحوره الجديد، ودرجة الخطورة عالية بتنظيم الكان، بالكاميرون، فأنا أستغرب لماذا لم يقل ذات الشيء عن أوروبا التي نظمت صيفا بطولتها الأممية في 11 بلدا في وقت ذروة الجائحة، وكذا الحال بالنسبة لكوبا أمريكا والكأس الذهبية..
كفى من الإهانات، وكفى من التنازلات، لا يمكن لإفريقيا أن تظل دائما الحائط القصير ، والقارة التي تستدر العطف، وبذريعة البساطة يتطاول على أسودها القردة..