قمة الإذلال، هذا الذي تفعله الفيفا من خلال رئيسها جياني إنفانتينو مع عائلة كرة القدم الإفريقية، فأن تأتي على بعد ساعات من بداية وصول اللاعبين الأفارقة إلى منتخباتهم الوطنية، للشروع في التحضير وفقا للوائح الدولية لكأس إفريقيا للأمم التي تنطلق بالكاميرون يوم التاسع من يناير، لتقول بأن الأندية بات بإمكانها أن تبقي لاعبيها الأفارقة لديها لغاية الثالث من يناير، فيه تطاول وقلة احترام بل وتصغير من قيمة الأفارقة، طبعا إن لم يكن ذلك احتقارا ثابت الصفة من مؤسسة وصية على كرة القدم العالمية، وأوجب واجباتها أن تصون كرامة اتحاداتها القارية.
لا يهم إن كان موتسيبي رئيس الكاف قد سكت مكرها على هذا التجاوز البديئ والتحرش المعلن، فما شاهدناه من مؤسسة الكاف في السنوات الأخيرة، تنابز وتصادم واقتتال على كافة الجبهات، فمن أن يأتيها الوقت لترد على كل هذه الإهانات.
بدت الفيفا وكأنها تحقق نصرا عظيما، وهي تصدر على عجل قرارها الذي لا يقبل لا دفعا ولا نقضا ولا إبراما، لا يهمها إن كانت سترمي بنبتة خبيثة في حديقة إفريقية لا تأتي لاستنشاق رحيقها إلا عندما يحين موعد التصويت على مشروع منتفخ الأوردة، ولا يهم إن كانت بذلك قد قللت من شأن بطولة قارية لها سيادتها، ولا يهم إن ضربت مصالح منتخبات أعضاء لديها، ما يهم هو أن ترضى الأندية الأوروبية تحديدا على السيد إنفانتينو ولا تطاوع رئيسها سيفرين في حربه المفتوحة على الفيفا بسبب مشروع إقامة المونديال مرة كل عامين.
لا حاجة لكي نطرح، مجرد طرح السؤال، عما إذا كانت الفيفا يمكن أن تفعل مع أي من البطولات القارية الأخرى، من بطولة أوروبا للأمم إلى كوبا أمريكا، مرورا بكأس أمم أسيا والكأس الذهبية للكونكاكاف، هذا الذي فعلته بالتهديد تارة وبالتنفيذ تارة وبالإختراق ثالثة مع كأس إفريقيا للأمم؟
لا اعتقد أن الفيفا ولا إينفانتينو يستطيعان مجرد التفكير في الإقتراب من فضاء مصادر، هو ملكية خاصة لقارة ولا شأن لأي كان بها، فلماذا يتطاول إنفانتينو على مونديالنا الإفريقي تحديدا؟ لماذا يصر على إهانته؟ لماذا يحشر أنفه تحديدا في كل خصوصيات الكرة الإفريقية؟ لماذا يريد أن يمص اللبن وحتى الدم؟
أكبرت في العجوز عيسى حياتو الذي كرمه إنفانتيو بوسام الرئيس الشرفي للكاف، وبعد ذلك أهانه بعقاب رياضي، الهدف منه أساسا هو حرمان الرجل من التواجد في أعلى منصة ببلاده وهي تستضيف كأس إفريقيا للأمم للمرة الثانية في تاريخها، بعد الأولى سنة 1972 التي اقترنت بأول مشاركة لأسود الأطلس في الكان، أكبرت في الشيخ عيسى أنه سيج الكاف وعلى الخصوص بطولته القارية، حظر مجرد اقتراب الأنفس الشريرة منها، بل إنه كان يخرج العين الحمراء لكل من يريد لمس شعرة واحدة من الإحتفال القاري، ويعلم الله ما طبخ في السر وما دبر في العلن من مؤامرات للإطاحة بالمنظومة المتفردة لكأس إفريقيا للأمم، أن تقام شتاء وليس صيفا، وأن تنظم مرة كل سنتين وليس مرة كل أربع سنوات.
تابعت شخصيا ما كان يطبخ في الدهاليز، وما كان يوجه من رسائل مسمومة لإعلام أوروبي كان بدروه يروج لها تحت الدفع، لحمل الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم على تعديل زمان وشكل كأس الأمم، إرضاء لأندية أوروبية تحديدا، كانت تشهد مع كل مونديال إفريقي هجرة جماعية للنجوم نحو الجنوب، لا أحد من هؤلاء كان سيقبل أن يكون هذا هو الحال مع البطولة الأوربية، ولا أحد على الإطلاق قال بأن هؤلاء النجوم الأفارقة الذين ينتزعون من بيئاتهم الإفريقية بأبخس الأثمان، ويصبحون مصدرا لثراء هذه الأندية الأوروبية، من حقهم أن يفاخروا بلحظة تجديد الإنتماء لأوطانهم من خلال منتخباتهم الوطنية.
وإنفانتينو الذي يلتصق بشكل مريب بالمشهد الكروي الإفريقي، لدرجة أنه حفظ تضاريسه، وأحصى أنفاسه، بل بات وصيا على تشكله وهندسته تحت ذرائع مختلفة، أقربها نظام الحكامة الذي بات وازعا جديدا للهيمنة وضرب الإستقلالية والتغلغل في حجرات القرار لهدم الخصوصية.
إنفانتينو هذا الذي يعرف أن بقاءه على رأس الفيفا مرهون برضا إفريقيا عليه، هو للأسف من يأتي لأسباب واهية، لينتصر للأندية الأوروبية على حساب قارة وعلى حساب كأس أممية هي في تصنيف القارات، أرفع حتى من كأس العالم.
لقد فعل إنفانتينو ما باستطاعته من أجل أن يؤجل هذه النسخة من كأس إفريقيا للأمم، باللجوء تارة للقوة القاهرة وباللجوء تارة أخرى للمخاوف التي كشفت عنها الكاف، بخصوص جاهزية الكاميرون لاستقبال الحدث الكروي القاري، وعندما لم يفلح، لجأ للضربة الموجعة وللطمة المهينة التي لا أظن أن الأفارقة سينسونها سريعا لأنها باتت مرسومة على الخدود، ولربما ستجعلهم يقلبون للسويسرى ظهر المجن..