لم يكن تطاولا على وحيد خليلودزيتش، أنني وصفت تدبيره التكتيكي وحتى بعض اختياراته في مناسبات سابقة، بالهلوسات التي لا تؤمن عواقبها..
ولا يمكن لكل هذا الذي نسجله من مؤاخذات على رؤيته للمباريات، أن يوصف أو يصنف على أنه تدخل في ما يعنيه هو ولا أحد سواه، أو أنه تنقيص من هذا الذي يسجله مع الفريق الوطني، فهو للأمانة وإلى اليوم متطابق مع الأهداف التي تعاقد عليها مع الجامعة، لذلك تجبرنا مباراة الغابون بالمشاهد الفجة التي أفرزتها، وقد كنا للأمانة في غنى عنها، وبقمة المعاناة والتوتر التي بلغناها جميعا ونحن نتفرج عليها، أن نسائل وحيد، عن هذه الشطحات والهلوسات التي يأتي بها إراديا أو لا إراديا، بين الحين والحين، فإن وجدنا لبعضها مبررات متفاوتة في درجات الإقناع، لم نجد لغاية الأسف لبعضها الآخر تفسيرا ولا تبريرا ولا ما يصورها لنا على أنها إكراهات.. 
كان الفريق الوطني يحتاج من مباراة الغابون، وهي الثالثة له في الدور الأول، إلى ما يبقيه متصدرا للمجموعة لينتفع من المزايا الثلاث التي ذكرتها آنفا، البقاء في ياوندي أولا، مواجهة أحد الثوالث ثانيا، وعلى الخصوص التمتع بأسبوع كامل من التحضيرات قبل أن يحل موعد الثمن نهائي.
وكان ما يبقي المغرب متصدرا للمجموعة الثالثة، فوز أو تعادل على فهود الغابون، والحقيقة أن وحيد دعي إلى اختبار صعب، فالرهان المزدوج يضعه بين مطرقة الفوز أو التعادل وبين سندان التدوير لإعطاء عدد من اللاعبين مساحة زمنية للعب ضمانا لتنافسيتهم وجاهزيتهم إن استجد في المشوار ما يفرض الإعتماد عليهم.
والحقيقة أن وحيد خضع لفرضية التدوير، ولكنه فعل هذا الذي فعله بطريقة أوقعت الفريق في اختلالات صارخة، تركيبة بشرية وتنشيطا تكتيكيا، وكان من نتائجها أن الأداء الجماعي إرتبك بطريقة معيبة، أظهرت محدودية بعض اللاعبين، حتى لا أقول أنها جنت عليهم.
ما أدت ثنائية نايف أكرد وشاكلا ما كان منتظرا منها، للحفاظ على مناعة الدفاع المغربي، وما نجح رباعي الوسط في ربح معارك ضارية مع الوسط الغابوني، وما أثمرت ثنائية الكعبي والنصيري جملا هجومية قوية كما كان الحال في مباريات سابقة، بسبب أن اللاعبين معا لم يظهرا منذ مدة في نفس النسق، وأبدا لم يكن الفريق الوطني في وضع تكتيكي مريح مع الإعتماد على شاكلة 4ـ4ـ2، لأن الأجنحة اقتصت، ومع الرقابة اللصيقة التي فرضت على أشرف حكيمي، لم تشتغل الأطراف بالشكل المطلوب، فعاب طريقة لعبنا افتقادنا للحلول الهجومية..
هذا الهراء التوظيفي وحتى التكتيكي، الذي نحمد الله أنه لم يثمر غير هدف وحيد لفهود الغابون مع نهاية الشوط الأول، كان لابد وأن يعالج حتى لا نقع فريسة لكارثة كروية تكون لها تأثيرات سلبية على بقية المسار، لذلك عمد وحيد إلى إخراج إلياس الشاعر في توقيت مدمر نفسيا للاعب، وعمد أيضا مع الدقيقة 55 إلى تغييرات أنعشت الوسط وأحيت الأطراف وكبحت جماح المنتخب الغابوني الذي لم يتأثر أبدا بغياب سبعة من فهوده، بدخول أملاح، بوفال وبرقوق.
وسط هذا الشتات التكتيكي وهذا الغبار المتصاعد، أدرك المنتخب المغربي التعادل الذي أبقاه متصدرا، وحقق له المزايا الثلاث التي ذكرت، ولكن تظل مباراة الغابون مرجعا لتقدير المعاناة والوجع الذين تحدثهما مثل هذه الهلوسات، ورسالة شديدة اللهجة لوحيد خليلودزيتش، بأن ما سيأتي بعد اليوم في طريق الأسود لا يحتمل مزيدا من الهلوسات..