ظل الجنوب إفريقي بيتسو موسيماني، وقد كان وقتذاك مشرفا على العارضة التقنية لنادي ماميلودي صنداونز، يرسل بمناسبة وغير مناسبة رسائل الغزل للوداد البيضاوي، الذي جاء عليه زمن كان يلتقي فيه بطل جنوب إفريقيا مرة كل سنة عن عصبة الأبطال، وما فعل الرجل كل ذلك إلا لأنه كان به شوق وطموح لكي يصبح ذات يوم مدربا للوداد، وقد أظهر علو كعبه في كل المشاوير التي مشاها مع نادي ماميلودي في عصبة الأبطال الإفريقية، كان الرجل يتوسم فيه نفسه القدرة على صنع الربيع بالمغرب.
وقتها كان الوداد يتخبط في إيجاد من يصلح لإدارته التقنية، وكان لا يجد من منقذ لحالة التوهان تلك، سوى الشيخ التونسي فوزي البنزرتي، ولا مرة فكر سعيد الناصيري في الجلوس إلى أريكة التأمل ليعيد قراءة رسائل الغزل التي كان يوجهها للفارس الأحمر بيتسو موسيماني، إلا أن غيره كان يفكر في ذلك، وتلك من دلائل النبوغ في القيادة.
حلم موسيماني بأحمر الوداد، فأعطاه القدر أحمر الأهلي، إذ جاء من يعرض عليه أن يصبح مدربا للنادي الأهلي المصري، نادي القرن بإفريقيا، ومن دون حتى أن يرف جفنه أو يقلب الخبر ليعرف له أصلا، ركب موسيماني أول طائرة أقلته إلى مصر، ولطاولة المفاوضات جلس موسيماني مع الأسطورة محمود الخطيب رئيس النادي الأهلي، فحصل الإتفاق، ونال بيتسو جزاء الإجتهاد والطموح الذي لا سقف له.
أما كيف فكر فريق بقيمة ومرجعية وجماهيرية الأهلي في انتداب مدرب من جنوب إفريقيا، بدون أدنى مكابرة أو مزايدة ومن دون ركوب لجنون العظمة، فهذا ما ينم عن الإحترافية والنباهة والعمق الذي يكتسب لأي شخص يأتي لقيادة فريق مؤسسي مثل الأهلي، لا يضع نفسه رهينة لقوى الظلام.
يوم الفاتح من أكتوبر 2020، وصلت إدارة الأهلي المصري إلى قناعة كاملة باستحالة بقاء السويسري روني فايلر على رأس العارضة التقنية، وبشكل مرتب له سيعلن عن الخبر الذي سيدهش بل وسيفزع المصريين، وسيذكر الوداديين بذاك الرجاء المبطن الذي كان يصدره بيتسو موسيماني في صورة رسائل غرام، فقد تم تعيين هذا الأخير مدربا للأهلي لموسمين بموجب عقد واضح الأهداف والغايات.
بالقطع، لا يمكن أن يأتي قرار في هذه الإستراتيجية والحساسية المفرطة، من دون دراسة مسبقة للربان الجديد، فكرا وشخصية وقدرة على الإنصهار في بوتقة الأهلي، دراسة لا تسجن نفسها فقط في ما تأتي به السيرة الذاتية، فهناك داخل مؤسسة الأهلي منظومة اشتغال عالية الإحتراف، تضيق كثيرا هامش الخطأ عند صناعة القرار، فقد كانت معرفة موسيماني بالأحراش الإفريقية والكيمياء التي يتمتع بها، كانتا شفيعين له ليحقق حلمه في أن يصبح مدربا للأهلي، وما سيأتي بعد ذلك أعطى كامل الحق لإدارة الأهلي في أنها اختارت الرجل المناسب للمرحلة المناسبة وللأهداف المراهن عليها، بدليل أن من سبق وقاد ماميلودي صنداونز لإحراز لقب عصبة الأبطال الإفريقية سنة 2016 والسوبر الإفريقي في السنة التي تلتها، المدرب الذي أدخل 4 ألقاب لبطولة جنوب إفريقيا لخزانة ماميلودي، هو نفسه الذي سيمنح في سنتين للأهلي المصري 6 ألقاب، لقبان لعصبة الأبطال، كأسان للسوبر الإفريقي، لقب للبطولة المصرية ولقب لكأس مصر، دون احتساب وصول الأهلي في مرتين متتاليتين لبوديوم مونديال الأندية كثالث أفضل نوادي العالم.
أتساءل بصدق وأيضا بكل تجرد، ماذا كان سيحدث لو أن الوداد البيضاوي طالب ذات يوم بيتسو موسيماني بأن يكون له ربانا تقنيا؟
بالقطع كان بيتسو سيأتي على يديه، لأن الوداد وقتها كانت حلما بالنسبة له.
وأتساءل بعدها كيف كانت ستكون ردة فعلنا، فيما لو جلب سعيد الناصري هذا الرجل ليكون مدربا للوداد؟
لم يفعل الناصيري، لأنه لا يملك لا الجرأة ولا بعد النظر، كما لا يملك في غرف القرار التقني من يستطيعون حدس النجاح الرهيب لبيتسو، وإن فعل سينعت لا محالة بالجنون، وأنا هنا أتساءل ثالثة، من يا تراه المدرب العالمي؟
بيتسو موسيماني الذي نال برونزية المونديال مرتين واعتلى في تاريخه التدريبي قمة إفريقيا في 3 مناسبات، أم البلجيكي مارك فيلموت الذي حضر للرجاء في هودج كاذب بسيرة ذاتية فارغة فراغ فؤاد أم موسى، وبعد 3 أشهر خرج من عرين الرجاء وقد أدرك الجميع خطأ الوصف ووهم التسميات؟
بالله عليكم، متى سنتعلم يا ناس؟