لم يأتني عبثا ولا اعتباطا، ذاك الحدس الذي يقول لي بأن الفرصة باتت مواتية للرجاء الرياضي لكي يسقط «أبو الهول» المصري، سيد إفريقيا الأهلي، صاحب الريادة بألقابه العشرة.
لم تكن مزايدة مني وأنا العارف بأن الأهلي غدا لنفسه ولمحيطه الكروي ولقارته مؤسسة قوية لا تساوم أبدا في إبقاء سقف الطموح عاليا بمطاردة الألقاب أينما تواجدت، أن أقول بأن الرجاء واتته الفرصة لكي يروض هذا الغول، ويعبر إلى الدور نصف النهائي، ومع عبور الوداد أيضا لحاجز شباب بلوزداد، نقترب من حلم عشنا عليه طويلا، حلم أن يكون نهائي عصبة الأبطال مغربيا صرفا، وما قوى لدي هذا الإحساس هو أن الأهلي المصري بشهادة الأرقام وبكل الدلائل التقنية القاطعة، يمر من مرحلة كسوف منذ عودته من مونديال الأندية بالإمارات، والدال على ذلك تذبذب نتائجه في الدوري المصري وتجرعه، ضدا على العادة، لخسارتين أمام صنداونز الجنوب إفريقي في دور مجموعات عصبة الأبطال واحتلاله بشكل فاجأنا جميعا وصافة مجموعته.
لست أدري إن كان مرد هذا الترنح، لحالة الإشباع التي وصلها لاعبو الأهلي، والتي تسلب الكثير من القدرات التقنية الفردية قبل الجماعية، أو مرده للغيابات الوازنة التي يعرفها على وجه الخصوص خط الدفاع، وفي غياب بدر بانون تحديدا معضلة فنية من الصعب تجاوزها.
ونحن نرصد مباراة الذهاب بملعب السلام أعطانا الرجاء البيضاوي وهو يقلص من خسارته بهدف ازريدة، الإنطباع على أنه يملك القدرة على ترويض الأهلي، بخاصة لما يتعلق الأمر بمباراة إياب ستجري بملعب النار وسط أجواء مشتعلة، لا يسلم من لهبها أي فريق زائر، إلا أن ما شاهدناه في ذاك الجمعة، كان مزلزلا للمشاعر ومحرقا للأعصاب.
فبرغم أن الرجاء نجح باكرا في تسجيل هدف وضعه في المقدمة وألبسه رداء المتأهل، إلا أنه سيضيع بعد ذلك بين طريقين متباعدين، طريق الدفاع عن السبق الجميل بتحصينه وتمنيعه، وطريق مجاراة فريق أهلاوي ركبه السعار بعد هدف ازريدة، وقد شعر بأنه قاب قوسين أو أدنى من الإقصاء، وقد كان بمقدور الرجاء أن يستلهم روحا أخرى من التحدي بوجود هذا الجمهور الرهيب خلفه وبتقدمه في النتيجة، لولا أنه كان فاقدا بالأساس لتلك القدرة، لا أقصد أن اللاعبين لم يكن لديهم الحافز، ولكن لأن الرصيد البشري أبعد ما يكون عن الكومندو الذي يستطيع إنجاز المهمة، مهمة الإجهاز على أهلي دخل فعلا مرحلة الشك، وكنا نحتاج من الرجاء لما يزيد هذا الأهلي تعمقا وانحدارا في سرداب الشك المظلم.
لا يلام رشيد الطوسي على حالة العجز التكتيكي التي أظهرها الرجاء بخاصة في زمن المباراة الذي كان يحتاج للعودة، فعندما لا تكفي الأدوات البشرية التي بين يدي المدرب، فإن تحقيق «معجزة العبور» تحتاج لشيء آخر، هو من قبيل الغيبيات التي لا نعرف في العادة لها زمنا، كأن يأتي الحظ بكم هائل فيحسم جزئيات غير مخطط لها، وقد ظهر واضحا في تعامل موسيماني مدرب الأهلي ورشيد الطوسي مدرب الرجاء مع بنك البدلاء، ذاك الفارق المهول بين فريق لا يتوانى في تقوية رصيده البشري ليقاوم الغيابات وحتى التراجع في المردود، وآخر فشل فشلا ذريعا في تدبير انتداباته الصيفية وحتى الشتوية، بين فريق ثوابته وبدلاؤه بنفس المقاسات الفنية، وآخر لا يتوفر على تشكيل متطابق تمام التطابق مع قوة الرهانات الوطنية والقارية، بدليل أن الرجاء عجز عن إيجاد بديل حقيقي للوردي وللعرجون على مستوى وسط الميدان، بل إنه أتى بثلاثة لاعبين أفارقة، لا أحد بينهم عوض حتى ظفر الكونغولي المرعب بين مالانغو، الذي بيع للشارقة الإماراتي.
قدر الرجاء الذي عاد لحديقة الأبطال التي يعشقها كثيرا، بعد أن صدت أبوابها في وجهه لسنوات، أن يعيش على وقع ثلاثة إقصاءات، الواحد لا يشبه الثاني، إلا في شيء واحد هو أن الرجاء يحتاج لحكامة في التسيير تضمن له من الموسم القادم، إن أفلح في ضمان مشاركته في عصبة الأبطال، أن يكون متسلحا بالرصيد البشري الذي يعينه على كسب الرهان.