وكأن أنديتنا الثلاثة الملتزمة بالسفر الإفريقي، توافقت على أن تعلب مبارياتها على حد السيف، أن تقبل بالمشي في جولة الإياب على الجمر، وقد كان مهيئا لها وهي تلعب بقلاعها الساخنة، محتمية بجماهيرها، أن تكون المبادرة والمقررة في مجرى المباراة، أي أن تكون هي سيدة القرار.
لم نتخيل والرجاء يستقبل الأهلي المصري بحمولته التاريخية بمركب النار بعد ذهاب انتهى بفوز الأهلي بهدفين لهدف، أن تأتي البداية بذاك السيناريو الجميل، أن يتقدم الرجاء بهدف فابريس نغوما، ولكننا لم نكن نتوقع حيال ذلك، أن يتنازل الرجاء بعد الهدف عن سبقه وحقه في صناعة الفارق، أن يستكين ويتقوقع ويترك حبل المباراة على الغارب المصري، منتهى العجز التكتيكي الذي يستشعره أي فريق لا يملك مدربه خيارات بشرية لقلب ظهر المجن.
وكذلك كان الحال مع الوداد الرياضي وهو يستقبل شباب بلوزداد بالدار البيضاء متمتعا بسبق رقمي قوي، فبينما كان الخيار الأمثل للاعبي الوداد هو كسر أجنحة الحلم البلوزدادي من البداية بالتقدم في النتيجة، إذا بهم يؤثرون بل ويمعنون في إدخالنا جميعا إلى بؤرة تشتعل معها الأعصاب ويطلع فيها الضغط لنسب قياسية، فقد أرغم لاعبو الوداد على التكوم في منطقتهم بفعل ما أظهره لاعبو بلوزداد من جسارة في الإستحواذ وبناء اللعب والسيطرة على وسط الميدان.
وكان على النهضة البركانية أن يلعب مباراة إياب ربع نهائي كأس الكونفدرالية متحررا من كل الهواجس التي صاحبت مباراة الذهاب بمصر، حيث نجح النادي المصري في تحقيق الفوز بتسعة لاعبين، أي بلاعبين مطرودين، وكانت الحاجة ماسة إلى أن يدخل الفرسان البرتقاليون رأسا إلى جوهر الموضوع بالتسجيل مبكرا لوضع الفريق المصري تحت الضغط، وهو ما تأتى لهم ويوسف الفحلي يصطاد ضربة الجزاء ومنها يسجل هدف التقدم، وعوض أن يعزز البركانيون هذا الهدف بأهداف تلبس المصري عباءة الإقصاء وتفرغه تماما من سعاره، من كل الفرص التي لاحت لهم في الشوط الأول، فإنهم سيكرهوننا أيضا على دخول بؤرة مشتعلة بالمواقف الصعبة طوال الجولة الثانية، بل إنهم سيسمحون بذلك لمدرب المصري البورسعيدي معين الشعباني على التقول علينا، بالعبارات التي يجب أن يحاسب عليها حسابا عسيرا، فليس كل مدرب يعجز عن التأهل يصطنع لنفسه وللآخرين مسببات واهية ويختلق مشاجب لتعليق إخفاقه عليها.
ثلاثتهم، إختاروا ليس عن عمد طبعا، أن يعذبوننا، ولو أن من سدد الفاتورة الأغلى لهذا التهجين التكتيكي، هو الرجاء الذي ودع عصبة الأبطال من دور الربع، ولا أخالف أبدا كل من ذهبوا إلى تحميل المدربين الثلاثة مسؤولية هذا الشطط التكتيكي في مباريات لا يمكن أن تقبل بهكذا تدبير، كما لا أخالف من ذهبوا إلى أن لاعبينا يحتاجون إلى جرعات جديدة في تكويناتهم التكتيكية، تساعدهم على مواجهة حالات الإختناق التي تصيب من وقت لآخر مبارياتهم وآداءهم الجماعي، وتحول بينهم وبين مطابقة ممكناتهم الفردية والجماعية.
بين الثلاثة (الوداد الرياضي، الرجاء الرياضي والنهضة البركانية)، وحدهم الفرسان الحمر وفرسان بركان من سيكملون مشوار الألف الميل وقد قطعوا فيه مئات الأميال إلى أن بلغوا الدور نصف النهائي، والمؤكد أنهم كلما تقدمنا خطوة على درب اللقب إلا وازدادت المواجهات صعوبة وضراوة وتقلص كثيرا هامش المجازفة والمخاطرة أو حتى الوقوع في أخطاء تدبيرية للمباريات.
وإذا ما كان وليد الركراكي بخفة دمه، يوصينا بأن نفتح جيدا آذاننا كلما هم بالحديث إلينا، لنسمع ونعي جيدا ما يقول، فإننا نوصيه أيضا بأن لا يترك مثل ذاك الغبار الذي تطاير في مباراة بلوزداد يعود مجددا، وأن يدفع لاعبيه إلى امتلاك أكبر قدر من الذكاء في تصريف المواقف الصعبة، وغدا إن انتهت الرحلة الإفريقية بما نتمناه جميعا، أن يبلغ الوداد والنهضة البركانية نهائي عصبة الأبطال وكأس الكاف، سنجلس سويا لنتذكر كل هذه الصور التي مرت أمام أعيننا، الصور التي نقرأها ونمعن النظر فيها ونستمع جيدا للرسائل التي توصلها إلينا، ومنها أن الألقاب هي كشقائق النعمان تولد من عتمة المعاناة والإكتواء.