ليس من عادتي أن أدخل على خط جدال أو نقاش قد يفضيان إلى التقاضي، إلا بما يصلح ذات البين ويحول دون مزيد من الإحتقان أو من تورم الخلاف، اعتبارا إلى أن المشهد الرياضي لا يحتاج إلى ما يرميه بأدخنة الخلافات، فيختنق أمامها ونفقد جميعا الرؤية في ممشانا الجماعي من أجل أن تسود الحكامة جميع دواليب إدراة الرياضة وكرة القدم على وجه الخصوص.
ولا غرض لي من هذه الزاوية أن أستدر عطفا أو أن أربت على أكتاف من كانوا، إلا بما يسهم في إشاعة الحب والحيلولة دون مزيد من إفساد الود، طبعا أن نكون جزء من الحل وليس طرفا في الأزمة.
مناسبة هذه التوطئة، ما بلغه النجم الدولي السابق يوسف شيبو الذي يعمل منذ سنوات محللا بقنوات بين سبور القطرية، من تقاطع وسوء فهم مع مسؤولي الرجاء الرياضي على خلفية تصريحات ساخنة أطلقها شيبو لحظات فقط بعد تعادل الرجاء الرياضي هنا بالدار البيضاء أمام الأهلي المصري، وبالتالي خروجه من ربع نهائي عصبة الأبطال الإفريقية، وهي تصريحات لا نختلف أبدا على قوتها بقوة الألم وغلغلة الجرح إزاء الإقصاء، ولكننا سنتفق على أنها لا تقصد تجريح أشخاص بعينهم أو التشهير بهم، بقدر ما هي تشريح لوضعية رياضية مأسوف عليها.
وعندما يكون باطن الرأي قبل ظاهره ومنطوقه مؤسسا على غيرة كبيرة على الرجاء الرياضي، ومستندا لحالة فشل حصلت، فلا مجال هنا لأي قراءة تضف على هذا الرأي صفة العدوانية أو التنكيل بالأشخاص أو الرغبة في التشهير بهم، وأنا من يعرف من أي معدن هو يوسف شيبو الإنسان قبل اللاعب، أجزم أن ما صعد به لأعلى درجات الإنفعال هو حزنه الكبير كما هو حزننا جميعا، على أن الرجاء الرياضي فوت على نفسه فرصة قد لا تسنح له غيرها في القريب، للإجهاز على الأهلي المصري البطل وتجريده من لقبه والثأر من الخسارة أمامه في السوبر الإفريقي بالدوحة، وما كان هذا الفشل الرياضي إلى تحصيلا لوضع يشهد بفشل على ثلاثة مستويات..
فشل على مستوى التدبير التكتيكي للمباراتين ذهابا وإيابا أمام الأهلي، وهو فشل لم يتملص منه رشيد الطوسي لما يتمتع به من نزاهة فكرية ومن احترافية.
فشل على مستوى الإنتدابات، إذ برغم أن المكتب المسير أنجز 9 صفقات إلا أن أغلبها كان خاسرا وبالدليل القاطع.
فشل على مستوى التأطير الفني بتنقل الرجاء في موسم واحد بين فكر ثلاثة مدربين من جنسيات مختلفة وبرؤى تقنية متباعدة، وهو ما يستدل عليه بالشكل المختلف الذي يعامل به اللاعبون.
والفشل في المستويين الثاني والثالث يتحمل مسؤوليته المكتب المديري للرجاء، وهنا لا حاجة لأن نزايد أو نكابر.
وأنا من يعرف جيدا الحدود الأخلاقية والمهنية التي يجب أن يقف عندها النقد حتى لا يتحول إلى سيف يقطع الرؤوس ويقتص من جذروها القيم الرياضية قبل المهنية، فإنني أصر على ضرورة التعاطي مع ما يتدفق على المشهد الرياضي الوطني من منصات التواصل الاجتماعي أو من موائد التحليل في كل أجناس الصحافة، بكثير من التحفظ والمرونة، بحيث لا نعطي الإنطباع على أننا نضيق هامش الحرية في إبداء الرأي، أو أننا نصادر النقد كحطب ضروري لإشعال نار التغيير نحو الأفضل، وبحيث لا نسمح أيضا بالتجاوزات التي نشهد لها صنوفا كثيرة من الدخلاء على الصحافة، هي ما أصلنا لهذه الدرجة من التشنج، ولا أتصور أن مثل هذه التجاوزات تنطبق على خرجة يوسف شيبو التي أفضت في شرح دعاماتها ومخرجاتها والغايات منها، والتي لا أجد بينها ما يدل على أن هناك تحرشا مقصودا أو إساءة متعمدة، بقدر ما هي فورة حزن على إقصاء أنطق الكلمات بذاك الشكل القوي.
وعندما يكون للرجاء الرياضي رئيس يجيد الترافع، ويحسن قراءة البياضات الموجود في أي نص منطوق، ويدرك تمام الإدراك أن يوسف شيبو لم يكن مبرمجا للنسف ولا موجها لتصفية الحسابات ولا غازيا يستبيح الأعراض ويغتال المواثيق الأخلاقية، فالأكيد أن الحكمة ستحضر في تدبير الإختلاف، وسيسعى كل من جانبه إلى تطويق احتقان حوله البعض إلى مستنقع للصيد غير المرخص.
وعيدكم مبارك سعيد.