شيء ما يدفعني إلى القول بوجود أكثر من نقطة تشابه واحدة بين الرجاء البيضاوي الذي دخل تاريخ كرة القدم العالمية من أوسع الأبواب وهو يتوج كأول ناد عربي بلقب وصيف بطل أندية العالم وبين المنتخب المغربي للاعبين المحليين الذي كان عليه انتظار النسخة الثالثة ليكون لأول مرة في صف المتسابقين على اللقب القاري.

ليس للأمر علاقة ببنية وهيكل منتخب المحليين والذي إنتهى الإطار الشاب حسن بنعبيشة بمطلق ومنتهى القناعة إلى ضرورة تشكيله بنسبة عالية من لاعبي الرجاء البيضاوي، ولكن له علاقة بالظروف التي هيأت للرجاء دخوله إلى مسرح العالمية والتي تهيئ لمنتخب المحليين دخوله رهان النهائيات بجنوب إفريقيا، فالرجاء عرج على المونديال وهو في وضع رقمي ونفسي لا يحسد عليه، حتى أن هناك من أجهز على كل الأحلام واعتبر من يروج لها مصابا بنوبة وهم كبيرة، واليوم يدخل المنتخب المغربي للمحليين النهائيات الإفريقية منتشلا من مستنقع كبير بسبب ما عاشته الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم في الأشهر الأخيرة من حالة إنفصام وخصام فظيع مع الذات كادت تتسبب في كارثة الإعتذار والتي لم نكن لنحمد عقباها.

الرجاء قرر في الثواني الأخيرة الإنفصال عن المدرب امحمد فاخر الذي كان مهندس الحلم من أوله لآخره والإرتباط بالتونسي فوزي البنزرتي ومثل الأمر زبدا في البحر، في حين عهد إلى حسن بنعبيشة في الرمق الأخير من رحلة التيه والشك قيادة هذا المنتخب إعتبارا إلى أنه واحد من ثلاثة تقنيين ما زال الإرتباط بهم قائما مع جامعة كرة القدم، بعد أن تداولنا جميعا إما تخمينا أو إيحاء مجموعة من الأسماء، وبعد أن كان مثبتا أن الطوسي الذي صنع إنجاز التأهل من مواجهة واحدة أمام منتخب تونس هو من سيتكفل بالقيادة فيما لو بقيت الجامعة السابقة في مركز القرار.

وإستنادا إلى ما حدث مع الرجاء الذي قلت كغيري أنه أشبه ما يكون بالنيازك التي تولد من العتمة، فإن المنتخب المغربي للاعبين المحليين يملك الدوافع النفسية التي هي أقوى من أي شيء آخر لينجز كأسا إفريقية تدخله التاريخ، صحيح أن هذا المنتخب ببنيته وهيكله وحتى ربانه لم يحصل على ما يكفي من معسكرات التحضير للأسباب التي نعرفها جميعا، وأيضا لإصرارنا على العيش خارج الزمن الكروي الحديث الذي لا يقبل من أي جامعة أو حتى ناد العيش خارج جلباب الإدارة التقنية، إلا أنه يتمتع بما هو أكبر من المعسكرات والتربصات وحتى المحكات الإختبارية، روح العزيمة وسلاح الإصرار على ربح الرهان القاري وهو الأمر الذي إن تحقق بمشيئة الله ساعدنا على  مواصلة الخروج من النفق المظلم الذي أتخمنا بالجراح وبالخيبات، وإن كان في كارثية المآل وفي التدبير الأرعن للمرحلة ما يعلم دروسا مستفادة بالعشرات.

وقد طمأنني إلى حد بعيد ذكاء بنعبيشة في نسج خيوط هذا المنتخب، برغم ما يرمى به إلى اليوم من تهم ومؤاخذات في مواقع أريد لها أن تكون ضدا على الأشياء صورة من الرأي العام الرياضي وهي ليست كذلك، ذكاء تبلور في اعتماد مقاربتين عند وضع لائحة الكوماندو، المقاربة الأولى هي تشكيل العصب الرئيسي من لاعبي الرجاء البيضاوي ليس فقط لتكريمهم على مونديالهم البطولي ولكن أيضا للإستفادة من مشتركهم التكتيكي وأيضا من سقف المعنويات العالي والمقاربة الثانية هي الخبرة التي يجب أن تتوفر للعناصر الأخرى المؤطرة للمجموعة، يبقى شيء واحد أن يحسن اللاعبون كلهم توظيف كم الضغط النفسي ليكون مفعوله إيجابيا، وعندما يتعلق الأمر ببطولة يتحدد ملمح البطل فيها من الدور الأول، فإن المنتخب المغربي سيكون مجبرا على أن يضع نفسه في منأى عن الحسابات المعقدة وأن يكون أيضا مالكا لمصيره، وكل ذلك يفرض أن تكون البداية الأحد القادم بالفوز على منتخب الزيمبابوي.

واثق من أن المنتخب المغربي للاعبين المحليين سيقدم صورة عن المشروع الإحترافي المغربي وإن كان يشكو من حالة رشح طبيعية، بأن يتفوق أولا على نفسه وبأن يضع كل الحظوظ إلى جانبه ثانيا مع ما يفرضه ذلك من رباطة جأش ومن قوة إرادة وعزم جماعي على تقليل هامش الخطأ في مسابقة يكتشفها لأول مرة، ويساعده في بلورة أحلامه أنه سيلعب مبارياته على أرضيات جميلة وفي مناخ مختلف تماما عن المناخات الإفريقية الأخرى التي علقنا دوما عليها إخفاقاتنا القارية.

.............................................................................

من حسن حظ الرجاء أنه سيلعب دونا عن الآخرين مرحلة إياب من 17 دورة بزيادة مباراتين مؤجلتين عن مرحلة الذهاب، ما يعطيه هامشا كبيرا لتصحيح ما إختل في الوضع الفني وما نقص في المحصول الرقمي إلى الحد الذي يضع النسور الخضر اليوم في المرتبة التاسعة  بفارق 13 نقطة عن المتصدر المغرب التطواني.

محظوظ فريق الرجاء لأن حاجة الفريق الوطني لثمانية من لاعبيه بإضافة عبد الكبير الوادي المنضم لقلعة النسور في الميركاطو الشتوي، أخرت إلى وقت غير معلوم مؤجليه أمام الفتح والمغرب الفاسي ولأن هناك شهرا كاملا سيمنح للمدرب فوزي البنزرتي ليعالج كل الإختلالات التقنية ما ظهر منها وما بطن وليمنح الفريق الشخصية التي تقوى على تحمل ضغط المباريات، لطالما أن السنة الجديدة التي يتصدرها رهان عصبة أبطال إفريقيا تحتاج إلى فريق معافى بالكامل يستطيع استحضار روح كأس العالم للأندية في كل وقت وحين.

ليس الرجاء وحده من يحتاج إلى كبسة نفسية وإلى قوة دفع كبيرة ليتخلص من جاذبية التواضع، فالجيش الذي صدمتنا بداياته في البطولة الإحترافية برغم التعزيزات الكبيرة التي أقدم عليها في موسم الصيف ويقدم عليها شتاءا، يحتاج هو الآخر لمن يخرجه من مستنقع الحيرة ومن السباحة ضد التيار، لذلك يحتاج رشيد الطوسي إلى حالة من الإستلهام بالعودة إلى كل الذي عاشه في مشواره التدريبي ليجد الحل الأمثل لمعضلة الجفاف الرقمي الذي ضرب كثيرا الجيش خلال خريف البطولة فجعله مركونا على غير العادة في صفوف لا تليق لا بحجمه ولا بإمكاناته.