برغم الحيرة التي تتملكني وكل من هو شغوف بكرة القدم، كلما أهل يوم السبت بمبارياته المتكدسة والمزحومة زمنيا لتحديد جغرافية المشاهدة، إلا أنني أصررت هذه المرة على رصد مباراتين بغرض الإستمتاع أولا ولكن أيضا لأزداد يقينا بما كنت إقتنعت به منذ زمن طويل، النزعة الجمالية في أداء سفيان بوفال الذي أسعدنا إختياره النهائي لقميص أسود الأطلس، والكرة الشاملة كما عشقها المدرب المبدع عبد الهادي السكيتيوي وينزل قيمها الفنية والتكتيكية بأجمل صورة مع حسنية أكادير في البطولة الإحترافية. 
جاءت مباراة أجاكسيو غازليك أمام ليل عن الدورة 34 للبطولة الفرنسية لتضعنا بالفعل أمام الإمكانيات الفنية الخرافية لسفيان بوفال الذي تجمع كل المؤشرات والأرقام التقنية المتداولة في بورصة القيم على أنه سيكون واحدا من نجوم البطولة الفرنسية الذين سيشعلون الميركاطو الصيفي، من دون أن يشعرنا بوفال على أنه يلمع صورته، بما يحيل كل ذلك على الفردانية والأنانية، أنجز هذا الفتى البالغ من العمر 22 سنة مباراة ولا أروع، بنجاعة كبيرة على مستوى التهديف بتوقيعه ثلاثة أهداف من أصل أربعة فاز بها ليل على أجاكسيو غازليك المستضيف، وبصناعته لهدف رابع وقع بالخطأ في مرمى أجاكسيو، وبحضوره الوازن في كل الفقرات الهجومية القوية للمباراة، ما جعله بالفعل نجمها المطلق.
وبالقطع عندما نرصد الأرقام الشخصية لسفيان بوفال، فإننا نقف على ما يجعل منه لاعبا مميزا في البطولة الفرنسية، محملا بكل ما يحتاجه اليوم لاعبو الأروقة من مهارات الإختراق، بالمراوغة التي تذكر بالزمن الجميل لكرة القدم وأيضا بالتمريرات المقترنة بالنداءات المتكررة على الكرات حتى في المساحات المحظورة، فسفيان في ثاني موسم له بليل لعب حتى الآن 27 مباراة سجل فيها 11 هدفا ما يمثل قرابة 30 بالمائة من مجموع أهداف ليل حتى الآن، وتقول الأرقام أنه يسجل هدفا كل 201 دقيقة من اللعب.
سفيان بوفال كان حتى الآن وراء 5 تمريرات حاسمة، ما يمثل 25 بالمائة من مجموع التمريرات الحاسمة التي أثمرت أهدافا، وسدد بوفال في 56 مناسبة صوب مرمى الخصوم كانت 26 منها مؤطرة، وتتأكد درجة الخطورة التي يمارسها على دفاعات المنافسين في عدد المخالفات التي ارتكبت ضده ووصلت إلى 70 مخالفة.
هذه الأرقام القوية يعتد بها طبعا للجزم بأن بوفال عنصر مؤثر في المنظومة التكتيكية لناديه ليل، وللتأكيد على أنه كان صاحب لمسة قوية في صحوة ليل الذي سجل بملعب أجاكسيو غازليك سادس فوز له على التوالي، ما يضعه في قائمة الأندية المتنافسة على مقعد أوروبي، ويكون رائعا أن يحظى الفريق الوطني بهذا اللاعب التحفة الذي يقدم أجمل لوحات الجمال ويذكر في كل الذي يبدعه بالنجوم الخرافيين الذين مروا على أسود الأطلس في السنوات الخوالي وكنا نظن أن الزمان لن يجود بأمثالهم.

ولم يفاجئني ما شاهدته مجسدا في مباراة حسنية أكادير والنادي القنيطري من سخاء تهديفي ومن إبداع جماعي ومن كرة هجومية، ساعد عليها أن الفريقين معا كانا في حل كامل من الضغوط النفسية الرهيبة، ولو أن حسنية أكادير لا يخفي رغبته في اقتناص مقعد يضمن له الحضور على المسرح الإفريقي.
لم يفاجئني أن يفوز حسنية أكادير بالخمسة ولو أنها أول أقوى حصة يفوز بها وهو الذي يوجد مع الرجاء في مرتبة أفضل هجوم بالبطولة الإحترافية، ففي الهوية التكتيكية وقوة الشخصية التي يظهر بها حسنية أكادير في كل المباريات التي يلعبها وجلبت له عبارات المديح من كل المحللين ومن الناخب الوطني هيرفي رونار، ما يؤكد أننا أمام منظومة لعب موضوعة بإتقان كبير، مرده أن المدرب المعني الأول بتصميم وهندسة الصرح التكتيكي المميز الذي هو عبد الهادي السكيتيوي، يستوعب جيدا كل ما هو مالكه من عنصر بشري وما هو مرصود له من إمكانيات العمل، ليبرز البراعة الكاملة في تنزيل منظومة اللعب باحترام كامل للثوابت وللمتغيرات وأيضا لكل أدوات التنشيط الهجومي كما الدفاعي، لنكون في النهاية أمام كرة قدم شاملة بهوية مغربية، شموليتها تتمثل في أن الفريق يعمل أكثر على تنشيط المبنى الهجومي، وهو يفعل ذلك من دون أن يكون له مهاجم مطلق، بدليل أن أهدافه 36 في البطولة سجل منها بديع أووك 6 أهداف وكل من نور الدين الكرش وعبد الحفيظ ليركي وزومانا كوني 5 أهداف، كما أنه يعتمد في الإغارة على دفاعات المنافسين على أسلحة كثيرة، منها التنويع للهجمات ومنها البناء السريع للمرتد ومنها الذكاء الجماعي في الإنتقال الخاطف من الحالة الدفاعية للحالة الهجومية بالإعتماد على مفاعيل تكتيكية مولدة للإبداع.
نحن في النهاية أمام فريق نجمه المطلق هو أسلوب لعبه وجماعية أدائه، وبرغم أن عبد الهادي السكيتيوي المبدع الخلوق والساكت عن الكلام المباح والمبتعد عن بهرجة أضواء الإعلام بحكمة كبيرة، يرفض أن ينسب له هذا الفيض الإبداعي الجميل الذي يهدينا إياه فريق الحسنية، إلا أن الأمانة العلمية تقتضي الإعتراف له بأنه من أكثر المدربين المغاربة تمثلا لفلسفة الكرة الحديثة بكل قيمها الجمالية وبكل تنوعاتها التكتيكية.