نجزم على أن كرة القدم الوطنية ما زالت تعيش طفولة الإحتراف، بما يعتري هذه المرحلة الحاسمة في صناعة الشخصية من حالات ترنح وشطط وشغب بالمفهوم الواسع للإصطلاح، فلا شيء يقول بأنه لا ترتكب الأخطاء ولا تحصل مجازفات ولا تبطئ البيئة الهاوية السير بالسرعة الطبيعية نحو اعتناق الإحتراف بكامل أوصافه ونعوته وتقاليده أيضا.
لذلك كنت دائما أحرص الناس على عدم تحميل المشروع الإحترافي الوطني ما لا يحتمل، عدم مقارنته بالإحتراف الأوروبي أو أي إحتراف آخر مشابه لطبيعتنا ولموروثنا وأيضا لمحلنا من الإعراب الكروي العالمي وعدم إعدامه بأحكام القيمة المؤسسة على اليأس، فقد دلتني قراءات رصدية كثيرة عن الإحتراف الأوروبي أنه لا وجود لاحتراف مثالي ولا وجود لاحتراف إستقام ووقف على الرجلين معا من دون المرور بكثير من مناطق انخفاض الضغط التي تجلب العديد من الصدمات والإضطرابات.
عندما أسأل عن المرحلة التي يمكن أن يكون قد بلغها الإحتراف عندنا، أتحفظ على الجواب، وإن أجبت قلت بأن السن الفيزيولوجي لهذا الإحتراف لا يقاس بالسنوات التي مضت منذ أن شرعنا في تنظيم بطولة إحترافية، فإن حضر الإحتراف في العقود والبرمجات والإحتكام بنسب متفاوتة لدفتر تحملات، فإنه يغيب عن الحلقة الأقوى في منظومة كرة القدم، الأندية نفسها والتي هي حتى اليوم أندية هاوية بالتعريف القانوني، يسمح لها تجاوزا في إطار توافقات قانونية سمح بها المشرع ووصفها بالمرحلة الإنتقالية على تدبير عقود إحترافية مع المدربين والكوادر التقنية.
ولعل النقلة النوعية التي ننتظرها جميعا وهي التي ستؤسس فعلا لانعطافة قوية في تاريخ كرة القدم الوطنية، هي تلك التي وضع لها السيد فوزي لقجع آجالا زمنية ترتبط ببداية الموسم الكروي القادم، تحويل الأندية إلى شركات رياضية خضوعا لأحكام قانون التربية البدنية والرياضة 09-30 في مادته 14 والتي تلزم كل جمعية رياضية لها فرع رياضي تتحقق فيها أحد الشروط الثلاثة التالية، أن تحدث شركة رياضية أو أن ترتبط بشركة رياضية لتسيير الفرع الإحترافي، الشرط الأول أن يتوفر الفرع على أكثر من 50 بالمائة من اللاعبين المحترفين والمجازين، والشرط الثاني أن تكون الجمعية قد حققت خلال آخر ثلاثة مواسم متتالية معدل مداخيل يفوق المبلغ المحدد بنص تنظيمي والشرط الثالث أن يتجاوز معدل كثلة أجوره خلال ثلاثة مواسم متتالية مبلغا يحدد بنص قانوني.
وبرغم أن دراسة الرصد والإفتحاص التي باشرتها الجامعة بمساعدة خبراء في مجال الإقتصاد الرياضي، كشفت عن نتائج صادمة تقول بأن الهيكل الحالي لغالبية الأندية لا يمهد فعليا لدخول الزمن الإحترافي، إذ هناك هشاشة كبيرة في الأرضية والتعاملات لا تسمح بالإنتقال سريعا لنظام المقاولة وهناك تخلف كبير على مستوى بناء التوازنات الإقتصادية، حتى أن تلك الدراسة إستثنت فريقين فقط قالت بأنهما القادرين فعلا على دخول التجربة الجديدة، إلا انني وأنتم أيضا نعلم علم اليقين أن أنديتنا الوطنية تعلمت أن تعمل تحت الضغط، وبالتالي فإن كان لزاما أن تضمن بقاءها ضمن أندية الصفوة بالإرتباط بشركات رياضية وبخلق ذاتي لهذه الشركات، فإنها ستستنفر كل الجهود من أجل بلوغ هذه الغاية.
وإن لمت مرة الأندية الوطنية المرجعية والمسماة تجاوزا بالكبيرة بالتعنت في الخروج من جلباب الهواية أو بمقاومة هذا التحول الإستراتيجي في طبيعة الحياة والإشتغال، فلا بد أن ألوم الجامعة مرات على أنها بالغت في تمديد المهل الإسترحامية وبإعمال كثير من الليونة في تطبيق مقررات دفتر التحملات الذي من دون الوفاء بالكامل بتعهداته لا يكون ممكنا المشاركة في البطولة الإحترافية، وسنجد أن مماطلة الأندية في الإستجابة كليا لروح الأنظمة الإحترافية مرده إلا أن اللجنة الإبتدائية التي أوكل لها ذات وقت مراقبة الأندية والتأكد من تطابقها الكامل مع المنصوص عليه في دفتر التحملات، تعاملت بكثير من الرقة مع الأندية الخارجة عن القانون بهاجس عدم تعريض المشروع الإحترافي للتلف، لذلك سيكون عنوان المرحلة القادمة والجامعة تستعد لإدخال أندية البطولة الإحترافية في فلك الشركات الرياضية، هو إعتماد الصرامة في تطبيق اللوائح، بما لا يسمح بالتجاوزات أو بعدم الإمتثال كليا لروح القانون.
ولأن بداية العمل بالشركات الرياضية يمثل في حقيقة الأمر بداية مرحلة الحقيقة بالنسبة للأندية، حيث ستختبر النوايا والقدرات على الدخول فعليا في المنظومة الإحترافية بكل مقتضياتها وتوابعها، فإنها ستقترن بالتنزيل الفعلي لكثير من أحكام قانون التربية البدنية والرياضة 09-30، حيث ستستعيد المكاتب المديرية دورها في تسيير الجمعيات والنوادي الرياضية بعد أن ساد منذ عقود العمل نظام العمل الإنفرادي للفروع من دون رابط قانوني يحترم مؤسسة النادي وهويته القائمة على تجميع الفروع لا على تشتيتها، بسبب كثير مما أسميه شخصيا بالإستثناءات المقيتة والمرضية التي باتت قاعدة لغاية الأسف.