إن نحن عكسنا المرآة على مشهدنا الكروي الوطني بما يتفاعل داخله من اضطرابات ومن تجادبات هي من أصل حركة التغيير التي يفرضها تنزيلنا للمشروع الإحترافي، كنا متشائمين وقاسيين في تصوير الأشياء لنخلص إلى أن كرة القدم المغربية تعيش حالة من القهر والتراجع مستندين في ذلك على إنطباعات وأحكام قيمة ترتبط بالمستويات التي تفرزها مباريات البطولة الوطنية وترتبط أيضا بما يتداعى في الهامش من مشاكل لها طبيعة فكرية، أما إذا ما عكسنا المرآة على المحيط الإفريقي لنرى فيه وجهنا الكروي بدا لنا شيء آخر مختلف تماما، ليس فيه ذرة واحدة من التشاؤم، لأن حقيقة ما يكتب على أرض الواقع يشهد فعلا أن كرة القدم المغربية ماضية فعلا في تحسين صورتها إفريقيا، وأبدا لا يمكن لهذه الصورة أن تتحسن وتتجمل إذا لم يكن هناك إجتهاد كبير على مستوى العمل القاعدي وعلى مستوى تدبير الحضور القاري.
يأتي التأهل المبكر للفريق الوطني لنهائيات كأس إفريقيا للأمم بعد فوزه في الجولات الإقصائية الأربع، ليكون أول منتخب يصل إلى نهائيات الكان بالغابون، ليقول بأن القطار وضع أخيرا على السكة الصحيحة لينطلق إلى حيث يجب أن تكون محطته الأخيرة، ضمن كبار القارة الإفريقية، وما تأتت هذه المطابقة الفعلية مع المقدرات الذاتية والفنية إلا لأننا وجهنا العمل الجماعي إلى الأصل من دون مزايدات، على أمل أن نتقدم في إكساب الفريق الوطني الشخصية التي تتطابق مع تاريخه ومع ممكناته.
وموازاة مع الرجوع المضطرد للفريق الوطني لدائرة الكبار إفريقيا ومع تتويج أسود القاعة باللقب الإفريقي لأول مرة في تاريخهم، ومع الجهود المبذولة على مستوى الإدارة التقنية الوطنية لتأهيل المنتخبات الوطنية الصغرى لكسب الرهان القاري كخطوة لدخول العالمية، يأتي الحضور المكثف الأول من نوعه للأندية الوطنية في دور المجموعتين لعصبة الأبطال وكأس الكونفدرالية الإفريقية ليقدم الدليل القاطع على أننا أمام إنعطافة كبيرة يجب تقديرها التقدير الجيد.
والتقدير الجيد للحضور الوازن للأندية المغربية في دور المجموعتين للمنافستين الإفريقيتين، لا يكون إلا بوضع هذا الذي تحقق في السياق الصحيح وفي صلب الحركية التي تعيشها كرة القدم الوطنية بكافة متناقضاتها، فإن نظرنا بعين متشائمة لكل المشاكل التي تطفو على السطح، وجب أن ننظر بعين متفائلة إلى هذا التطور الحاصل في تدبير الأندية المغربية للرهان الإفريقي، وإن نحن لم نتفاجأ لوجود كل من الوداد والفتح في دور المجموعتين لكونهما فريقان يتنافسان على لقب البطولة، فإننا نعجب لهذه الروح الإنتصارية التي سيطرت على لاعبي الكوكب وهم يتوصلون تباعا لإقصاء فريق من حجم مولودية وهران الجزائري وفريق بحجم المريخ السوداني، وهم الذين يعيشون وضعا صعبا على مستوى البطولة الإحترافية بوجودهم في مركز موجب للسقوط إلى القسم الثاني.
إن غاية ما تصبو إليه أوراش الهيكلة لكرة القدم الوطنية هو أن تصبح للبطولة الوطنية علامة مميزة في المشهد الكروي القاري، وهذه العلامة لا تأخذ تميزها إلا من حضور قوي للأندية الوطنية في المنافسات القارية، لذلك فإن الجهد لا بد وأن يتواصل لاستثمار التواجد المغربي الكمي والنوعي في عصبة الأبطال وكأس الكونفدرالية الإفريقية بأفضل صورة ممكنة، والإستثمار الجيد هو البحث عن لقب قاري، والوصول إلى اللقب القاري يمر من قدرة الأندية الثلاثة الوداد والفتح والكوكب على التفريق بين هوس البحث عن لقب البطولة أو الإنعتاق من النزول للقسم الثاني وبين التركيز على المنافسة القارية، فالرهان الإفريقي يفرض التسلح بشريا وتقنيا ونفسيا بكل ما يجعل التتويج ممكنا غير مستحيل.