كثيرة هي الكتب التي لا تتطابق نهاياتها مع بداياتها، والقيمة الفكرية والأدبية لأي كتاب هي من قيمة الخواتم التي بها يكون الإعتبار، وقد علمتني كل السنين التي مرت علي وأنا أقف كغيري من الإعلاميين راصدا لتحولات المشهد الكروي، أن المشاريع التي يقول بعض رؤساء الأندية أنها ورقة تعريفهم الرياضي، أغلبها تبدأ متحمسة ومتفائلة وتنتهي موجوعة ومصدومة.
طلع علينا محمد بودريقة يوم قال الربيع الأخضر كلمته في حق من تناوبوا على دفة التسيير فأحالهم على التقاعد القسري، بما أسماه الكتاب الأخضر، وقد كان كتابا يوثق لأحلام قال بودريقة أنها أحلام متطابقة وقابلة لأن تصبح حقيقة ماثلة أمام الجميع.
وللأمانة فقد ساعد بودريقة الهامش الزمني الذي تطلبه تصميم التحول الكبير، على أن يسرع في تقليب صفحات الكتاب الأخضر، فأنجز أدبيا ورياضيا وتسويقيا ما اعتبر بالفعل ضربة معلم، وكان من حظه الذي خطط له بدقة أن مونديال الأندية أقيم بالمغرب، فسمح له الفوز بلقب البطولة بأن ينال وصل العالمية ويحقق الكثير من المكاسب الرياضية والإقتصادية، المكاسب التي كانت بحاجة إلى من يستثمرها وإلى ما يجعلها رأسمال رياضي لا تخربه الأهواء والنزوات فتصيبه بالكساد ثم الإفلاس.
من الكتاب الأخضر الذي قرأ لنا بودريقة عناوينه الكبرى يوم جاء لرئاسة الرجاء، طالعنا صفحات بأفكار مكتملة وأخرى مبثورة أفكار متنورة وأخرى متهورة، وأبدا لم نكن نتوقع أن تأتي الخاتمة ركيكة ومحبطة، فبودريقة وهو يصر اليوم على الرحيل عن الرجاء يقدم لنا كشفا رياضيا ورقميا  قمة في الكارثية، فالرجاء الذي فاز من أول موسم لبودريقة كربان بلقب البطولة وبكأس العرش وبلقب وصيف بطل أندية العالم خلف بايرن ميونيخ، لم يفز بأي شيء في المواسم الثلاثة الأخيرة، والرجاء الذي قدم الإنطباع على أنه يراهن على الإستقرار كسمة من سمات المشروع الأخضر، جعل من إدارته التقنية جبلا جليديا عليه يتزحلق كبار المدربين من فاخر إلى كرول مرورا بالبنزرتي وبنشيخة وروماو، والرجاء الذي أشعرنا أنه سيحدث ثورة نوعية على مستوى الإيرادات بإطلاق الكثير من المبادرات الجالبة للدخل، ينهي هذا الموسم بمديونية تفوق الأربعة مليارات وبموجات من الإضراب خاضها اللاعبون، منها ما جرى التستر عليها ومنها ما جرى تعويمها، وبمنح ومكافآت ورواتب شهرية معلقة.
كثيرا ما قال بودريقة أنه ليس من طينة الربابنة الذين يقفزون من مركب يتهدده الغرق، وكثيرا ما قال أنه إن رحل عن الرجاء رحل عنها وهي مطمئنة على وضعها المالي، إلا أن الخواتم التي يجب الإعتبار بها تقول أن الرجاء مهدد بالسكتة القلبية، وهو ما يخيف ويرعب في حقيقة الأمر.
شخصيا لا نية لي أن أسفه المرحلة التي قضاها بودريقة على رأس الرجاء البيضاوي الذي كنا نظن ذات وقت أنه تمثل جيدا روح المقاولة وأنه سار خطوات على درب التطابق مع روح الإحتراف، ولكن هناك من الأسئلة ما يستوجب تقديم أجوبة مقنعة وشافية لها، فإن سلمنا بأن الرجاء المدان لا يمثل إستثناء وسط كل الأندية الوطنية وحتى العالمية التي لا تتحرج في إشهار مديونياتها، فإن هناك ضرورة لأن نعرف كيف ساءت الأمور المالية إلى هذا الحد؟ وما الذي أوصل الرجاء إلى هذا الوضع الكارثي الذي يشهر فيه اللاعبون الإضراب إن لم تسو وضعياتهم، والذي يكتم فيه أعضاء الطاقم التقني مرارتهم وهم الذين يدينون برواتب خمسة أشهر وبعشر منح للمباريات؟
كيف يتحول هذا الرجاء الذي قال بودريقة أكثر من مرة أنه قوي وعصي على الأزمات المالية، إلى فريق تسحقه المديونية ويتهدده الإفلاس؟
للأمر علاقة بالتوازنات الإقتصادية التي لا تقدر عليها أنديتنا الوطنية وباللعب المالي النظيف الذي لا أظن أننا يمكن أن نشهر الإحتراف على كرتنا ما لم تلتزم به الأندية المرخص لها باللعب في البطولة الإحترافية.
تلك هي الحقيقة المؤسفة يا بودريقة.