*كثيرا ما ناديت بأن تثق المنتخبات والأندية المغربية بقدراتها الذاتية كلما تعلق الأمر باستحقاقات قارية تدخلها لتضع بصمة ولتدافع عن حق طبيعي في المنافسة على اللقب وإن لم يكن على مراتب الشرف، فقد كان موجبا لليأس قبل الندم أن نتوصل إلى حقيقة أن الأندية والمنتخبات الوطنية كانت تهزم نفسها وهي بعد بمستودعات الملابس، بسبب أنها تبخس حقها وتقلل من إمكانياتها ولا تثق في قدراتها.
اليوم يحدث العكس تماما من خلال ما رصدناه في أولى جولتين لدور المجموعات لعصبة الأبطال الإفريقية وكأس الكاف، فالأندية الثلاثة التي تحمل على عاتقها تمثيل كرة القدم الوطنية تجسد في الحقيقة تلك الثقة التي لطالما قلنا أنها كانت تغيب بفعل فاعل أو بفعل نفس أمارة بالخوف، فالوداد البيضاوي بالطريقة التي أدار بها مباراتيه أمام الأسيك هناك بأبيدجان وأمام زيسكو يونايتد هنا بالرباط، وهو الخارج لتوه من مستنقع البطولة بلقب وصافة لم يكن ليرضيه بعد أن كان اللقب ملك يديه، قال فعلا أنه بلغ مرحلة من النضج التي تعقلن تلك الثقة بالقدرات الذاتية، فلا تنفخ فيها ولا تقلل منها ولا تستصغر الخصم ولا تجعل منه غولا لا يقاوم.
في مجموعة قال الكل عقب سحب قرعتها أنها ستكون تحت النفوذ الكامل للأهلي المصري نادي القرن إفريقيا، بات الوداد بعد جولتين متصدرا بالعلامة الكاملة من فوزين متتالين وبات الأهلي المصري متذيلا لها برصيد خال من النقاط، وإذا كان الوداد معنيا أكثر بمآله وبالطريق التي ستسلك به كل الأدغال ليصل إلى الدور نصف النهائي، فإن مواصلة السير صوب المربع الذهبي يقتضي تدبير الصدام القادم أمام الأهلي بالقاهرة منتصف شهر يوليوز بكثير من الحكمة وبالثقة الكاملة بالقدرات، الثقة المرشدة والمحصنة.
وفي كأس الكاف يفرض علينا الكوكب أن نرفع له القبعة تحية وإكبارا، فإن كان تأهله لدور المجموعتين لكأس الكونفدرالية قد فاجأنا مرة، فإن تصدره لمجموعته بعد فوزين كبيرين على النجم الساحلي بمراكش وعلى أهلي طرابلس بتونس، يصيبنا بنوع من الذهول المقرون بالإعجاب، فالكوكب أنهى موسم الخوف والتوجس وقد حافظ بما يشبه المعجزة على مقعده بالبطولة الإحترافية الأولى، وأبدا لم يكن لكل المؤثرات السلبية للإنتحار الذي كان الكوكب قريبا منه، أي دور في اقتلاع فارس النخيل من الحلم الإفريقي الذي يعيش عليه.
صحيح أن الكوكب لم يضمن اليوم تأهله للمربع الذهبي إلا أن نجاحه في نيل النقاط الست الكاملة من أولى مبارياته الست في دور المجموعتين مؤشر على أن هناك إرادة بحجم الجبال تغذي هذا الفريق بكل مكوناته.
وكان الفتح بالصورة التي قدمها عن نفسه في مباراته أمام العنيد والمشاكس النجم الساحلي التونسي الذي لا يخضع أبدا لمنطق الزوار ولا يلين لسيطرتهم، نقطة عسل أخرى في هذه الجولة، فما قدمه الفتح في مباراة الملعب الأولمبي بسوسة هو عنوان لكثير من العناوين التي تقول بأهمية أن تثق الفرق في إمكاناتها الذتية، والتي تقول أن لا أحد يمكن أن يبيع جلد الدب قبل قتله وأن كل فريق تحصن بمنظومته وأجاد توظيفها في كل أزمنة المباراة إلا وحقق النجاح الرياضي والرقمي.
والفتح في غياب المايسترو بطنا وفي غياب رجل الحلول الصعبة في وسط الميدان مروان سعدان تمكن من سل شوكته بلا دم ولا هم أمام نجم كاسر، كان يعرف أن الفوز هو خياره الوحيد للتعويض عن سقطته بمراكش، لقد فعل الفتح ذلك لجرأته ولثقته بنفسه ولوجود نهج تكتيكي توزع فيه الأدوار من خلال القائد وليد الركراكي بكفاءة وحذاقة عاليتين.
وحقيقة الأمر أن ما صاغته الأندية المغربية الثلاثة في ثاني جولات دور المجموعات لعصبة الأبطال وكأس الكاف، مثلما يجب أن يكون محفزا على مزيد من الإبداع لبلوغ الأهداف المراهن عليها، فإن وصول ثلاثة أندية مغربية دفعة واحدة إلى المربع الذهبي لأول مرة، يحتاج إلى تدبير نفسي جيد لحالة الإنتعاشة الحاصلة اليوم، التدبير الجيد الذي لا يغالي في تقدير الذات ولا يصيب بالغرور ولا يأتي لهذه الأندية بالثقة الزائدة.

*ماذا كنا ننتظر من سعيد حسبان بعد أن تزول عنه تلك الحالة النفسية التي تعقب تسلم مقاليد أمور فريق القلب والجوارح، والتي يقر فيها بوجود حالة من السعادة بالوصول لرئاسة الرجاء؟
ماذا كنا ننتظر منه وهو يفتح عينيه على هول الديون التي تراكمت على الرجاء فوضعته في صورة الفريق المفلس؟
ماذا كنا ننتظر منه، أقل أو أكثر من أن يرسل الشكوى ويرفع صوت الأنين، ويعترف أمام الزملاء الصحفيين، بأن الخروج من الورطة لا ولن يكون بالحلول الترقيعية؟
هناك اليوم أزمة مالية خانقة داخل الرجاء، مهما برع الرئيس حسبان في تجميع الملايين من الهبات أو من رعاة جدد، فإنه بالتأكيد لن يتغلب لوحده عليها، وإن نجح في تطويق الأزمة ورأب الصدع وتجاوز الشكل المطلق للإفلاس، فإن ذلك سيكون على حساب سمعة الرجاء وعلى حساب مرجعية الرجاء كفريق يلعب باستمرار وبلا هوادة منافسا على الألقاب، ولا تقبل منه جماهيره أن يكون رقما هامشيا في معادلة التتويج.
وإن تصور حسبان أن تدخل الدولة هو الحل الأوحد لتجنيب الرجاء الإفلاس المعلن اليوم بقوة الديون المتراكمة، فإنه من الضروري أن نبحث عن الصيغة التي يجب أن تتدخل بها الدولة لإنقاذ الرجاء من الإفلاس، فإن استجابت الدولة لاستغاثة حسبان وسارعت لإنقاذ فريق له عمقه الوطني وجذوره التاريخية وله تأثيره القوي على المشهد الكروي والرياضي الوطني، فإنها لا بد وأن تفعل ذلك من منطلق مشرعن، لا يحق لأي كان أن يعتبره إستثنائيا ولا يدخله في سياق السوابق التي سيكون اللجوء إليها كلما أصاب فريق مغربي مكروها ماليا كالذي يصيب الرجاء اليوم.
أنا مع حسبان في أن يطلب تدخل كل القوى الوطنية لمواجهة هذا الذي يصيب الرجاء، فليس بوسعه أن يقف متفرجا على رجاء يفلس.