نغضب ونغتاظ وقد ننهار كلما بلغنا أن منتخبا من منتخباتنا السنية رمي به خارجا وأقصي من أول أدوار تصفيات كأس إفريقيا للأمم، وما نجح إلا لماما في الوصول إلى نهائيات الكأس الإفريقية بوابة العبور نحو العالمية، وإن لم نكن قدريين ولعنا سوء الحظ والطالع بدأنا نربت على أكتاف بعضنا بالقول أن هؤلاء الأفارقة غشاشون ولا يحترمون قاعدة الأعمار، ويستحيل على أولادنا وهم في أعمار يافعة ويتطابقون تطابقا كاملا مع اللوائح المنظمة للمنافسات، أن يثبتوا أمام جبال بشرية.
وحتى عندما كنا ندرك على استيحاء أن الخطأ هو في منظومتنا الكروية، كنا نعمد إلى إقالة المدربين الواحد بعد الآخر، تماما كما هي عادتنا في مواجهة نكبات الإقصاء بإقالة السائق وليس بإصلاح عطب الحافلة.
والحقيقة التي تطلب الوصول إليها وقتا طويلا، هي أن كرة القدم الوطنية منتخبات وأندية لم تتبن منظومة تكوين قائمة على أساسات علمية يجري تعميمها إجباريا على الأندية من قبل الجامعة، لتعوض ما كان من إنحراف طويل وما كان من تراجع لمؤشر القيمة التقنية المغربية قاريا وعالميا، فكيف يفاجئنا أن منتخباتنا السنية تعجز بالكامل عن فرض ذاتها في محيطها القاري، والموهبة المغربية لم تعد عملة رائجة في البطولات الأوروبية ودليل ذلك ما حدث في العقد الأخير من تراجع كبير للطلب الأوروبي وحتى الخليجي على عملاتنا المهارية.
لذلك كان منطقيا أن يأتي رئيس الجامعة فوزي لقجع إلى الإجتماع الذي دعت له الإدارة التقنية الوطنية مختلف المدراء والمستشارين التقنيين لأندية الصفوة، بهدف التوافق على الإستراتيجية الجديدة التي تتوخى العمل بمنظومة علمية وحديثة في مجال التكوين، كان منطقيا أن يتحدث رئيس الجامعة عن وجود إكراه أكثر منه خيار، لتمكين كرة القدم الوطنية من منظومة تكوين تتناسب وتتوافق مع الخصوصيات الفيسيولوجية والذهنية والإجتماعية للاعب المغربي وتتطابق بالكامل مع ما تستوجبه كرة القدم الحديثة من نزوع إلى المناهج العلمية.
إكراه، لطالما أن ما بات يفصلنا من مسافات عن دول إفريقية شقيقة ليس لها عشر ما نملكه من بنيات تحتية ومن إمكانات مادية، لا يمكن تجاوزه إلا بإعلان حالة من التعبئة الكاملة داخل الجامعة كما داخل الأندية لعلاج عطب كبير كانت تشكو منه الكرة المغربية، منذ أن تغير المشهد الكروي الوطني وما عاد ممكنا الإعتماد على الوسائل التي أعطت المغرب في وقت سابق أجيالا كروية أبهرت العالم وكانت هدفا لكبريات الأندية الأوروبية.
طبعا الأمر لا يقف عند مجرد إطلاق مراكز للتكوين ما ينتمي منها للجامعة وما ينتمي منها للأندية، بل يتعداه إلا ما هو أكبر، إلى إقرار منظومة وطنية للتكوين يفترض أن يكون التقنيون من مدربين ومعدين بدنيين وفيسيولوجيين قد توصلوا إليها بعد المعرفة اليقينية لخصوصيات الطبيعة المغربية، وإلى تكوين جيل من المكونين الذين يفترض فيهم المعرفة الكاملة بخبايا تلك المنظومة، ينطلق في العمل بشكل أفقي وبشكل عمودي بهدف بناء قاعدة جديدة للهرم الكروي الوطني.
وعندما يتوصل رئيس الجامعة إلى ضرورة أن تشرف الإدارة التقنية الوطنية بالكامل على هذا الورش الكبير والضخم الذي يضاهي في الأثر وفي المفعول الورش البنيوي والهيكلي الذي قطعت فيه كرة القدم الوطنية خطوات عملاقة، فإنه يقرن ذلك بتوفير الإمكانيات المالية وأيضا بمراقبة وعقلنة الصرف، لطالما أنه بات ضروريا أن نستأصل ورما خبيثا من كرة القدم ويتمثل في النسب المائوية الهزيلة التي تخصصها النوادي من موازناتها السنوية للفئات الصغرى، برغم أن بعضها يجني الملايين من مدارس كرة القدم المؤدى عن الإنخراط فيها.
وعندما تقرر الجامعة الإشراف الكامل على مراكز التكوين التي ستنطلق مع أندية البطولة الإحترافية الأولى، فإنها ترمي في ذلك إلى تمتيع المكونين ومدربي الفئات الصغرى من كافة الوسائل المادية واللوجيستيكية التي من دونها لا يمكن العمل بالمنظومة المتعاقد عليها، وأيضا إلى المساعدة على تهييء البنيات التحتية اللازمة ليشمل التكوين العلمي والممنهج قاعدة كبيرة من اللاعبين بهدف مصادرة حالة الهدر الممارسة على الموهبة في هذا البلد.
إن هذا الورش الضخم الذي تطلقه الجامعة وقد بات من أكبر الأولويات، يستطيع أن يوظف كل الخبرات الوطنية المعطلة، بشرط أن تتحرى الإدارة التقنية الوطنية المانحة للتراخيص كل الدقة في أن ينطلق العمل في تنزيل منظومة التكوين بمختلف جهات المملكة بالكفاءات التقنية المشهود لها بالقدرة العلمية على إنجاح المشروع في لحظة ميلاده، وليس بمن دخلوا إلى عالم التدريب بلا أهلية فعاتوا فيه فسادا.