الآن وقد زال عنا بعض من الفزع وسكن قليلا في الضلوع الألم، وتغور الحزن ليصبح وشما في الذاكرة بعد الذي شاهدناه في برج العرب بالأسكندرية من فريق الوداد وهو يبصم على مباراة كارثية أمام الزمالك، لا تليق بالمقام ولا يمكن إطلاقا أن يتشرف بها تاريخ الوداد البيضاوي قديمه وحديثه، هل نستطيع بدم بارد أن نعيد طرح الأسئلة التي بها تشقى عقولنا حتى الآن؟
هل نستطيع أن نتعقب بكل موضوعية مسببات الخسارة بالرباعية؟
على الرغم من وطأة الإحباط ووخز الهزيمة، نستطيع أن نسائل الوداد بكل مكوناته عن هذا الذي حدث..
ما هي الأسباب الرياضية والتقنية التي أودت بالوداد إلى كل تلك المهالك في مباراة الزمالك؟
بماذا نفسر هذا السقوط المريع في لحظة مفصلية كنا نظن أن فرسان الوداد سيكتبون فيها صفحة جديدة من ملاحم وداد الأمة؟
ومن نحمله مسؤولية هذه الخسارة التي أعدمت ما لا يقل عن تسعين بالمائة من حظوظ الوداد في الصعود لنهائي عصبة الأبطال؟
لانتحار الأمل وميوعة الأداء وتشوش الصورة بشكل غير مقبول، عشرات الأسباب، ربما أولها أن الوداد لم يكن محضرا بطريقة جيدة، لا ذهنيا ولا تكتيكيا لمباراة لا تقبل أبدا بكل الأخطاء التقديرية والتكتيكية التي إرتكبها لاعبو الوداد مكرهين أو غير ذلك، وعندما لا يكون الفريق مهيأ باعتماد كل المعايير العلمية المتداولة في تدبير المباريات الكبيرة التي يكون فيها هامش الخطأ ضيقا للغاية، فإن النتيجة الكارثية التي شاهدناها مجسدة على أرضية ملعب برج العرب، أن الوداد كان بلا هوية تكتيكية وبلا عمق في اللعب، وهذان الأمران كلما غابا عن أي فريق وانتفيا من أي تحضير إلا وتم جلده في الحال.
لقد أدى الوداد غاليا ثمن الخطايا التكتيكية التي إرتكبها على طول زمن المباراة، فكان يخرج من عقاب ليدخل في عقاب آخر، إلى أن كانت المحصلة في النهاية خسارة مدوية لم يتوقعها أحد، وأنا موقن من أن مدرب ولاعبي الزمالك لم يكونوا قد تهيأوا لسيناريو كالذي أهداهم إياه لاعبو الوداد وبه صنعوا تفوقا نوعيا، لا خلاف على أنهم إستحقوه ولكنني جازم في القول أن الوداد هو من هزم نفسه وهو من عرض نفسه لتطاير أشلائه في بحر المباراة، وقد دخله بمركب مثقوب بلا أشرعة وبلا خارطة إبحار.
طبعا عندما نشاهد فريقا يلقى به هكذا في مباراة نصف نهائية لعصبة الأبطال، بلا زاد وبلا مؤونة تكتيكية وبلا تحضير ذهني ولا بمعرفة مسبقة بمفاتيح لعب المنافس، فإننا نرمي موضوعيا بالمسؤولية كاملة على المدرب جون طوشاك، إلا أن هذه المسؤولية تظل متقاسمة بينه وبين إدارة الوداد، فإن كان طوشاك قد كشف منذ قرابة سنة كاملة عن عجزه الكامل لتصريف الكثير من الإكراهات التقنية والتكتيكية، وأبدا لم يشعرنا بقدرته على صياغة هوية واضحة للعب، والدليل هو كثرة الإنتكاسات في الآونة الأخيرة، فإن إدارة الوداد التي لطالما تحاملت على نفسها لنفي أي إنفصال عن طوشاك، إدارة الوداد التي واجهت بكثير من الرعونة هذايانات طوشاك في حصصه التدريبية وفي تصريحاته البلهاء أحيانا وفي تلاعبه بالمشاعر بتحويل اللاعبين إلى أراجوزات، تتحمل أيضا قسطا كبيرا في مسؤولية هذا الإفلاس الكامل، ولربما كانت إدارة الوداد ذات وقت، بحاجة إلى شجاعة كبيرة لصناعة قرار الإنفصال عن طوشاك مهما كان مؤلما بحكم أنها مطلعة بالكامل على ما يدور في الغرف المغلقة.
ولعل الصيغة التي ورد بها قرار إقالة طوشاك وفريق العمل التقني بعد أقل ساعة من نهاية مباراة الكوابيس في برج العرب، تؤكد أن إدارة الوداد تحاملت كثيرا على نفسها لتقبل بالهذيان الذي أصاب طوشاك في موسمه الثاني مع الوداد، وحيال كارثية الهزيمة، أبدا لم تجد ما يشفع لطوشاك بالبقاء لدقيقة واحدة على رأس العارضة التقنية للوداد، برغم أن الرباعية لا تعدم بالكامل آمال الفرسان الحمر في بلوغ المباراة النهائية لعصبة الأبطال. 
كان من الضروري أن نفهم أن الوداد تحول إلى حقل تجارب في الموسم الثاني لطوشاك، فانمحى كل ما كان في الموسم الأول الذي توجه طوشاك بالفوز بلقب البطولة، وأول ما انمحى مشروع اللعب الذي كان يفترض أن يحمله طوشاك في وعائه التدريبي، وعندما لا يصبح للوداد مشروع لعب عليه يشتغل اللاعبون صباح مساء عبر أسلاك التدريب المتعددة، فإنه يكون متوقعا أن يترك الوداد لقب بطولة الموسم الماضي يضيع منه لفائدة المنافس الفتح بعد أن خسر المواجهة المباشرة، ويكون طبيعيا أن يصدم الوداد جمهوره بالخروج بذات الطريقة الرعناء من منافسة كأس العرش، ويكون حتميا أن يدق المسمار الأخير بالهزيمة المدوية أمام الزمالك ببرج العرب.
لقد إرتكب طوشاك من الخطايا التقنية والتكتيكية وحتى الأدبية، الكثير مما شاهدناه يجلد عليه من طرف الزمالك في يوم الجمعة، فكرة القدم بلا قلب إن ارتكب جرم في حقها لم تسامح ولم تتجاوز، لذلك عاقبت كرة القدم قبل الوداد، طوشاك كثيرا على أنه أساء التصرف مع لاعبيه وعلى أنه شهر كثيرا بلاعبيه وأبدا لم يقدم لهم الحماية اللازمة وعلى أنه تكبر على منافسه فلم يقرأه لا ظاهرا ولا باطنا وعلى أنه مكر برئيسه عندما كان يبطن له غير ما يظهره وعلى أنه أصيب بداء العظمة فعميت بصيرته وتحجر تفكيره فلم يجد حلولا لما كان يواجه لاعبيه من مشاكل.
في النهاية، وإن بقي فينا أمل بأن تتغير الأمور في مباراة يوم السبت القادم ويتمكن لاعبو الوداد من الإنتصار لكرامتهم ولمرجعية الفريق الذي يتشرفون بحمل قميصه، فإننا نتحسر على أن حماقات طوشاك وأدت جانبا كبيرا من حلم الوصول لنهائي العصبة، وما من ذنب إرتكبه الوداد سوى أنه بالغ في الثقة بمدرب إنتهت صلاحيته.