أرجو صادقا أن لا يجعلنا إياب الدور نصف النهائي لكأس الكونفدرالية الإفريقية هذا الأحد بالرباط، نتحسر على أن الفتح لم يضع بشكل مبكر تذكرة العبور للنهائي التاريخي، كما كان مهيئا له هناك ببجاية عندما قابل المولودية بملعب الوحدة المغاربية في مباراة الذهاب، مباراة فعل فيها لاعبو الفتح كل شيء إلا أن يوثقوا عقد التفوق الميداني والتكتيكي بالأهداف.
بالقطع لو نحن ارتكزنا على ما ظهر من فوارق مهارية وتكتيكية بين لاعبي الفتح ولاعبي مولودية بجاية، برغم كل ما عاناه الفتح من أجل تجاوز معيقات اللعب على أرضية مكسوة بالعشب الإصطناعي، لجزمنا أن من سيكون فارسا للنهائي القاري هو الفتح الرباطي، إلا أن كرة القدم لا تؤمن أبدا بهذه القياسات، بل إنها تتمرد على كل ما هو نمطي أو يقوم على المعادلات الرياضية، مباراة الرباط هذا الأحد ستكون بالقطع مختلفة كليا عن تلك التي جرت الأحد الماضي ببجاية، سنختلف عنها في الفيزيونومية وفي التضاريس التكتيكية، فلا أحد يمكن أن يرصد حجم التغيير الذي سيطرأ على أداء لاعبي بجاية، عندما يتحررون من كل الضغط أو عندما يقعون طوعا تحث تأثير أنهم يلعبون مباراة العودة بجلد الحصان الأسود، لذلك أنا متوجس من مباراة يوم الأحد، وخوفي ليس من أن يأتي الفتح بأداء غير الذي بات طبيعة مكتسبة لديه أو أن يعجز عن حل الإشكالات التكتيكية التي قدم كثيرا الدليل على مهارته في حلها، ولكن الخوف من أن يقدم مولودية بجاية وجها فنيا غير الذي قدمه بملعب الوحدة المغاربية هناك ببجاية. 
وإن نحن تفاءلنا بالطريقة المثلى التي أدار بها الفتح مباراته هناك ببجاية إلى الحد الذي جعله يسيطر بالكامل على جل التفاصيل والجزئيات الصغيرة، فإن المخيف في هذا التعادل الأبيض كونه يترك الأبواب مشرعة لكل الإحتمالات، ليس هذا فقط بل إن تقاعس لاعبي الفتح عن ترجمة التفوق البدني والمهاري وبخاصة التكتيكي إلى فوز هناك ببجاية، ما كان أحد سيقول أن الفتح سرقه، العجز الذي أبداه لاعبو الفتح في التعامل مع الكم الكبير من الفرص التي عنت لهم، هو ما يبقي فينا ذاك الهاجس القوي من أن مباراة الإياب قد تنقلب فيها الأمور رأسا على عقب.
ليس تخويفا ولا تيئيسا، هي فقط محاولة لإستفزاز ملكات وقدرات لاعبي الفتح حتى يكونوا بأتم جاهزية نفسية وبطموح متواضع من أجل تدبير لقاء صعب للغاية، بما هو متاح لهم من ذكاء واحترافية، فأكيد أن لاعبي مولودية بجاية يعرفون أن تأهلهم التاريخي للنهائي سيكون صعبا ولكنه غير مستحيل.
...........................................................
يبدو وكأننا سلمنا بأن الوداد وهو يخسر بتلك الرباعية المشؤومة هناك ببرج العرب بالأسكندرية، قد وضع تذكرة نهائي الأبطال كاملة في جيب الزمالك، وأن مباراة الإياب هنا بالمجمع الأميري مولاي عبد الله بالرباط، إن كان مستحيلا عليها أن تصعد بالوداد للنهائي التاريخي، فعلى الأقل ستداوي بعض الكبرياء المجروح وتنتصر قليلا للكرامة المهدرة.
هذا على الأقل ما أتبينه من خلال كثير من التعليقات التي تتداعى هنا وهناك عند الحديث عن فصل الإياب في المواجهة العربية الخالصة، وقد قدرت في الناس أن يأخذوا كرها هذا المسار في التحليل والتوقع، لطالما أن مباراة برج العرب أحزننا فيها الأداء الكارثي للاعبي الوداد أكثر من الهزيمة، إلا أننا عندما نصحو من صدمة الهزيمة ونتحلل من جاذبية الإحباط الذي يشنق التفاؤل، نتوصل إلى حقيقة أن للمعركة جولة ثانية وحاسمة، رياضيا وفنيا وذهنيا يمكن للاعبي الوداد أن يلعبوها بأمل الفوز بذات الحصة التي خسروا بها هناك في الأسكندرية.
لا أفهم لماذا يريدنا البعض أن نعدم أملا ما زال يتنفس، لماذا يريدنا هذا البعض أن ندفع لاعبي الوداد إلى مباراة الرباط لإكمال مشهد موت الحلم، مع أن لا الوداد في عرف كرة القدم أقصي ولا الزمالك تأهل، صحيح أن الفريق المصري الشقيق يحضر للرباط بمؤونة كبيرة ستقيه زمهرير الوداد هي عبارة عن أربعة أهداف كفارق، ولكن علمتنا كرة القدم عبر تاريخها العجائبي أن لا شيء مستحيل، فهناك 90 دقيقة مفتوحة على كثير من السيناريوهات.
وما يوقط فينا ذاك الأمل الواهن، هو أن الوداد لكي يسقط بالرباعية الملعونة قدم أسوأ صورة ممكنة عن نفسه، أبدا لم يكن الزمالك ذاك الفريق المرعب الذي يركع الخصوم، من جنى على نفسه ومن هزم نفسه بنفسه هو الوداد، والمؤكد لو أن الوداد تمكن عبر غسل للأدمغة وتنظيف للجيوب النفسية من كل الشوائب، لو أنه تعافى من أثر السقطة ووجه بالطريقة المثلى للتعامل مع مباراة الإياب، فإنه سيتمكن من رد الدين مهما بدا للبعض ثقيلا.
إن أكبر ضارة يجب أن يتخلص منها لاعبو الوداد اليوم ليدخلوا مباراة يوم السبت بشكيمة قوية ونفسية معافاة، وليس لها علاقة بالهزيمة برباعية نظيفة، هي ضارة الإنفصال عن مدرب جرى التعامل معه لأكثر من سنتين فنيا وتكتيكيا، وبالتالي فإن أي خطاب تكتيكي أو أي منظومة مقترحة اليوم لا بد وأن تكون متمتعة بقدر كبير من البساطة لكي يسهل على اللاعبين التكيف معها وجعلها ذراعا واقيا لهم في مباراة تحتاج إلى كثير من الذكاء في تصريف الجهد البدني وفي تدبير الفصول وفي الإنتقال من الردهات.
نهاية ليس هذا الذي يقبل عليها لاعبو الوداد يوم السبت القادم مستحيلا، إنه إختبار صريح لقدرتهم على قلب الأمور رأسا على عقب ولمدى نجاعتهم في صنع السيناريو الأمثل لجعل ليلة يوم السبت ليلة تاريخية، بل وأسطورية نحتفل فيها بالوداد وتحتفل فيها كرة القدم بالجانب الأنطولوجي الذي يميزها عن أي إبداع إنساني آخر.