هي مسافة زمنية قصيرة جدا، تلك التي باعدت بين الجمعية العمومية للإتحاد الدولي لكرة القدم بزيوريخ والجمعية العمومية للكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم بالقاهرة، إلا أن البصمة التي تركها المغرب من خلال رئيس الجامعة السيد فوزي لقجع هنا وهناك كبيرة جدا، كما تحرض على الكثير من القراءات، فإنها تؤشر على وجود تحول كبير في منظومة العلاقة التي ترتبط بها الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم مع المؤسستين الوصيتين على كرة القدم دوليا وقاريا.
إن كان المغرب قد أبقى على الدوام علاقاته مع الفيفا مطبوعة بكثير من المتانة برغم ما كان من إحباط جراء التآمر على المغرب بطريقة أو بأخرى في مسعاه لاستضافة نهائيات كأس العالم في المناسبات الأربع الفائتة، فإن العلاقة مع الكاف تعرضت لقصف مبرح بسبب ما كان من تعارض في المواقف، جرى تداوله وتدبيره بشكل خاطئ ومتشنج، عندما تصلب المغرب في موقفه المؤسساتي الداعي إلى تأجيل نهائيات كأس إفريقيا للأمم في نسختها الثلاثين لوجود قوة قاهرة، وعندما تشدد المكتب التنفيذي للكاف في إبقاء الكأس في موعدها الأصلي، ما إستدعى ترحيلها إلى غينيا الإستوائية، وما ترتب عن ذلك من عقوبات رياضية ومالية أنزلها «الكاف» بالمغرب تطبيقا للوائحه وتصدى لها المغرب باللجوء للمحكمة الرياضية الدولية التي إنتصرت للمسببات التي أقرنها بتأجيل المونديال الإفريقي.
ولا يمكن بأي حال من الأحوال القول بأن الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم لا تعنينا ولا تلزمنا قراراتها بأي شيء، ما دمنا على علاقة قوية بل وحميمية مع الفيفا التي ترى في المغرب واجهة قوية للترويج لبطولاتها في القارة الإفريقية، بعد النجاح الكبير تنظيميا وجماهيريا لنسختي كأس العالم للأندية 2013 و2014، فكما أننا تنبهنا ذات وقت إلى ضرورة الإنفتاح العميق على القارة الإفريقية لضبط تضاريسها الكروية والمعرفة الجيدة لما يعتمل في أدغالها، ما دام أن طريق منتخباتنا وأنديتنا نحو العالمية يمر عبر بوابة إفريقيا، كان لزاما الوقوف عند حقيقة أن الجامعة لا بد وأن تحتفظ لعلاقاتها مع مؤسسة «الكاف» بكل الشفافية والمتانة الممكنتين، بوصل ما إنقطع، وبالإنتباه إلى من يحرضون على إطالة حالة التصادم خدمة لمصالحهم الشخصية وحتى القومية.
لا يمكن لأي كان أن ينكر ما يبديه المغرب من إهتمام بالتظاهرات الرياضية الكبرى، فهي تؤسس لإمكانيات كبيرة لتسريع وثيرة التنمية الشاملة وأيضا تتيح كل الفرص الممكنة لكي يروج المغرب لصورته الجميلة إلى كل العالم، كقوة إقتصادية ناشئة تحاول أن تبرز نموذجا جديدا في التنمية، لذلك سيظل تنظيم نهائيات كأس العالم في طليعة الرهانات بل وأولوية الأولويات، ومثلما أن المغرب عبر للفيفا عن صدق النوايا وعن الدرجة العالية التي بلغها في الإلتزام بكل ما تعهد به، وهو يجهز ثلاثة من الملاعب المحسوبة على الجيل الجديد والتي وضعت في ملف الترشيح لمونديال 2010 الذي ذهب إلى جنوب إفريقيا بالطريقة التي جرى فضح بداءتها بل ووساختها في سياق مسلسل فضائح الفيفا، بل وتجاوز ذلك بمواصلة تعزيز شبكة الملاعب الكبرى بإعطاء إشارة البدء بالعمل في إنشاء مركب تطوان وتقدم الدراسات بشأن مركب وجدة، يضع المغرب بهذا الذي يقوم به في صدارة الدول الإفريقية التي يمكنها التصدي لتنظيم التظاهرات الرياضية الكبرى كما إعترف بذلك جياني إينفانتينو رئيس الفيفا، بل إن كان هناك بلد إفريقي يمكنه إستضافة المونديال بعد جنوب إفريقيا فهو المغرب بلا أدنى مزايدة.
وقطعا لا يمكن للمغرب أن يمضي باحثا عن تحقيق حلم الأمة بتنظيم كأس العالم، من دون دعم قوي ولا مشروط كما كان الحال في المرات السابقة من قبل مؤسسة الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم، وما قدمته جلسة عمل رئيس الجامعة فوزي لقجع مع عيسى حياتو رئيس الكاف يوم الخميس من إشارات دالة على عودة الدفء للعلاقات بين الجامعة، يفرض التحرك على كافة المستويات من أجل تعزيز التواجد المغربي في منظومة عمل «الكاف»، وعلى الخصوص العودة إلى المكتب التنفيذي لهاته المؤسسة والذي خلا من أي عضو مغربي منذ إنتهاء ولاية الحاج سعيد بلخياط.
إن البعد القاري والدولي الذي يحضر بقوة في استراتيجية الجامعة لمزيد من تطوير كرة القدم الوطنية، لا بد وأن يواكب بشكل كبير بالعمل من أجل خلق النخب الرياضية والتسييرية التي تفرض ذاتها على المستوى المحلي لتضع بعد ذلك خبرتها رهن المؤسسات الدولية والقارية خدمة للمغرب وانتصارا لكفاءاته ولعمقه الإفريقي.