كل الذين أيقظتهم المباراة النهائية لكأس العالم للأندية في نسختها 13 التي أختتمت أمس باليابان، فأجبرتهم على الجلوس خلف التلفاز في ساعة مبكرة من يوم عطلة، يترنح فيه الجسد طمعا في تمديد الغفوة الصباحية، إلا وتذكروا الرجاء البيضاوي، فهاجت بهم الذكرى وتقلبت القلوب بين ما علق من صور تاريخية لفريق مغربي شد إليه الأنظار وهو يكتب ملحمة تاريخية، وبين ما يدمي اليوم هذه القلوب نفسها، والرجاء تجتاحه غارات مؤلمة نتيجة أزمة مالية خانقة، لا يمكن إلا أن نعترف بأنها تحصيل لحاصل هواية رعناء في تدبير حاضر فريق نال صفة العالمية بدرجة عالية من الإستحقاق.
ذكرنا نادي كاشيما الياباني برجاء سنة 2013 والمغرب يستضيف النسخة العاشرة لكأس العالم للأندية، فكما أحدث النسور الخضر مفاجأة من العيار الثقيل وهم يصلون للمباراة النهائية ليخسروها أمام العملاق البافاري بايرن ميونيخ ويربحوا تقدير العالم، نسج كاشيما الياباني على نفس الهلامية والروعة، وهو يتخطى ثلاثة حواجز ويبلغ المباراة النهائية والتاريخية التي وضعته بالأمس في مواجهة ريال مدريد الإسباني، وكادت تلك المباراة المثيرة والجميلة، أن تمنحه اللقب التاريخي وقد تقدم ذات وقت في النتيجة، بل واستفز بدرجة عالية في المقارعة والجرأة والشجاعة التي وصلها، أساطير الريال بدليل أنه فرض عليهم اللجوء للشوطين الإضافيين لحسم النزال الهيتشكوكي ورفع كأس العالم الثانية في تاريخ النادي الملكي.
مع ما تحرك داخل الوجدان، بسحر هذا الذي أنجزه كاشيما الياباني وهو يذكرنا بروعة ما حققه الرجاء قبل ثلاث سنوات، دليلا على أن طريق المجد تعبده في الغالب، الإرادة الجماعية المؤسسة على الخلق والإبداع، ضربنا للتو إعصار من الحزن والذعر، ونحن نطرح أسئلة الإستغراب والدهشة والإستفهام:
كيف سمح الرجاء البيضاوي لنفسه بالسقوط على نحو دراماتيكي إلى هذا الدرك؟
لماذا لم يحسن الرجاء إستثمار لقب وصيف بطل العالم للنوادي الذي ناله في مونديال الأندية قبل ثلاث سنوات؟
هل ما يقع للرجاء هو صورة من الهشاشة التي تميز أنديتنا الوطنية، فلا تكون لها القدرة لكي تستثمر في الإنجازات؟
لا أريد أن أنخرط مع البعض في مسلسل التشكي والبكاء وصياغة خطابات الرثاء، ولا أن أعتبر هذا الذي يحدث جناية رياضية مع سبق الإصرار لإيذاء الرجاء العالمي، يجب أن نبحث لها عن جناة، وليست لي رغبة على الإطلاق في الإنتصار لطرف على حساب الآخر في هذه المأساة التي يعيشها الرجاء اليوم، ولكنني أحيل نفسي وإياكم على المغزى الحقيقي من هذا الذي رمى بالرجاء في هذا المستنقع الخطير، لدرجة أنه تم الحجز على كل حساباته البنكية وأصبح من الناحية المالية ميتا إكلينيكيا، وهو في ذلك ليس وحيدا، لأن كثيرا من الأندية الوطنية فعلت في نفسها هذا الذي فعلته الرجاء، وقد أدت على ذلك ثمنا غاليا بأن تراجعت إلى الصفوف الخلفية، وما عاد الناس يتحدثون عنها إلا تحرقا وألما.
ليس هناك من معنى على مرور الرجاء من النقيض إلى النقيض، من فريق قال رئيسه بودريقة قبل ثلاث سنوات أنه سيكسر كل الأرقام وسيكون أول فريق مغربي يحاكي كبار الأندية العربية والإفريقية بالوصول إلى موازنات مالية تقترب من عشرة مليارات من السنتيمات، إلى فريق يقول رئيسه الحالي سعيد حسبان بأن مديونيته تناهز 16 مليار سنتيم، ليس هناك من شيء نستنتجه من هذا الإنقلاب الخطير، سوى أن ما يبنى على وهم لا يمكن إلا أن يكون وهما، وما لا يحترم القواعد الصارمة في مجال الحكامة المالية والتدبير الإحترافي لشأن فريق بحجم الرجاء، لا يمكن إلا أن يقود في ظرف زمني قياسي إلى المأساة التي نحن بصددها، والحالة تكاد تكون معممة على كثير من أنديتنا الوطنية التي ترفع اليوم الرايات البيضاء إشهارا للإستسلام، بسبب أن هذه الأندية لم تحترم القواعد المالية المتحكمة في التوازنات الإقتصادية، وبسبب أن الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم تأخرت نوعا ما في فرض قواعد اللعب المالي النظيف.
وليس هناك من صورة تترجم حجم البلاء وعظم المصيبة التي تعيشها الرجاء، أكثر من أن كل الحسابات البنكية لهذا الفريق أصبح محجوزا عليها، وأن أحكام الإحتراف تفرض فرض عين أن يصبح الرجاء الذي كنا نعتبره نموذجا، تحت وصاية الجامعة، بهدف التصدي للأزمة المالية بإجراءات عملية وذات نجاعة كبيرة.
لا بد من صيغة لوقف هذه الهذيانات والهلوسات التي ترمي بالأندية التي نعتبرها مؤسسات ذات منفعة رياضية وقومية واجتماعية، إلى أفران تحترق فيها الهوية والأموال العمومية.