يحيرني هذا التوهيم الملازم لصورة الفريق الوطني، لا أقول أن هناك خدشا في الصورة، ولكن هناك قراءة مزدوجة لأبعاد وملامح الصورة، فبينما نستشعر كمغاربة نوعا من التشاؤم بخصوص مشاركة الفريق الوطني في نهائيات كأس إفريقيا للأمم التي سيفتتحها بمنازلة منتخب الكونغو الديموقراطية يوم الإثنين 16 يناير الحالي بمدينة أوييم الغابونية، يرى غيرنا وهم كثر على أن الفريق الوطني سيكون من السواعد القوية للمونديال الإفريقي، ومخطئ من يضعه خارج حسابات التنافس على لقب النسخة 31 لكأس إفريقيا للأمم.
علمتني دراستي للفلسفة يوم كنت طالبا بالسلك الجامعي أن معالجة الظواهر تكون أكثر دقة وموضوعية عندما تتم من خارج الظواهر وليس من داخلها، أي في اللحظة التي يتحقق معها البعد عن إشتعال العواطف، لذلك أنحاز كثيرا للصورة التي يقدم بها الآخرون الفريق الوطني في نهائيات كأس إفريقيا للأمم، فهي صورة مجردة من كل العواطف وتقوم أكثر على الوازع الموضوعي، ولهم في ما يذهبون إليه حجج وذرائع ومستندات يقبل بها منطق كرة القدم.
فبينما يفرملنا التاريخ القريب للفريق الوطني مع كأس إفريقيا للأمم، حيث تكالبت باستمرار نفس الظروف من عجز عن حسم الجزئيات الصغيرة والسيطرة الكاملة على مستودع الملابس، وبينما يُسَوِّدُ هذه اللحظة في عيوننا، ما كان من عثرات وما يبديه الفريق الوطني من عجز ليتحرر من قيوده، ينطلق الآخرون ممن لهم معرفة عميقة بتضاريس كرة القدم الإفريقية من أمرين إثنين في وضع الفريق الوطني في خانة من لهم كامل الأهلية للمنافسة على اللقب الإفريقي.
أول الأمرين أن من يقود الفريق الوطني ربان له معرفة دقيقة بكأس إفريقيا للأمم، وقد خبر بالفعل شكل المنعرجات والسراديب ويملك الحلول لكثير من المشاكل التي تعترض في العادة كل ملاح يبحر في أنهار الكأس الإفريقية.
أما ثاني الأمرين فهو أن الفريق الوطني يحتكم على قاعدة مميزة من اللاعبين من ذوي المهارات العالية الذين يحتاجهم مدرب خبير مثل هيرفي رونار، ليضعهم في بؤرة المباريات لينتزعوا منها ما يحتاجونه من نقاط، وليشكل منهم الكوماندو الذي بمقدوره أن ينجز ما يبدو لمدربين آخرين مهمات مستحيلة، وقد يزيد الخبراء على ذلك أن اللاعبين المغاربة لهم ظمأ كبير يريدون أن يروونه ولهم ثأر يريدون أن يأخذوه من هذه الكأس التي أدارت لهم الظهر منذ سنة 1976 تاريخ أول وآخر تتويج باللقب القاري، ثم إنهم يتمتعون بالقاعدة التي يحتاجها أي مدرب ليؤسس منظومته التكتيكية، الحس الدفاعي العالي، والحقيقة أن الفريق الوطني يملك برغم كل الذي نقوله واحدا من أفضل الدفاعات الإفريقية.
نستطيع إذا أن نتفاءل للأسباب التي ذكرت وللشهادات التي إستقيتها من كل الذين يعرفون جيدا خبايا كرة القدم الإفريقية، فالفريق الوطني حتى وإن كان بمنطق التاريخ الحديث والمعطيات الرقمية موضوعا في مجموعة صعبة ومعقدة لوجود عيارات ثقيلة، فإنه بالإمكان القول أن هناك حظوظا كبيرة من أجل أن يقطع الأسود مع عاداتهم السيئة في آخر أربع نهائيات لكأس إفريقيا للأمم شاركوا فيها، والمتمثلة في الخروج الطوعي من الدور الأول لأسباب متشابهة، بعضها يرتبط بعجز الأسود عن حسم تفاصيل دقيقة لصالحهم كما حدث سنة 2008 بغانا وسنة 2013 بجنوب إفريقيا، وبعضها يرتبط بالنيران التي تشتعل في مستودع ملابس الأسود ولا تجد من يطفؤها إلا وقد أحرقت الآمال والأعصاب.
لا بأس أن نتفاءل، فليست هناك طريقة أفضل لهزم التشاؤم والخوف من هذا الذي سيأتي، من أن نثق بأن لأسود الأطلس القدرة على الإرتفاع عن الرداءة.