يقولون أن التاريخ لا يصنعه المترددون، التاريخ يكون للواثقين لأصحاب المبادئ ولأصحاب «الكلمة»، وللذين عيونهم غير مصابة بالدلطونية وعمى الألوان وبالرمد الحبيبي.
وحين يتعلق الأمر بالوطن ولونه، بـ «منبث الأحرار ومشرق الأنوار» تكون النقطة وبعدها العودة للسطر، ويصبح هؤلاء المترددون خارج سياق الإحترام ولا يعنينا شأنهم، لأن القطار الجدير بالإحترام هو ذلك القطار المسؤول الذي  يتوقف عند كل محطة ويتيح أمامك فرصة الصعود وإن لم تصعد لا تقبل منك شكاية أنت وتذكرتك.
هذا هو حال فريقنا الوطني اليوم، هو مثل قطار يتوقف عند محطة هذا المحترف وذاك، ومن لم يصعد فلا خير يرجى منه وليتحمل مسؤولية تهوره وتراخيه وحتى تكبره، وهو الخاسر الأكبر في مطلق كل الأحوال، كونه إما أن لا يصل أو حين سيصل المحطة التالية سيكون متأخرا بطبيعة الحال.
هذه الأيام وبعد العودة من «الكان» يطربنا ما نسمعه هنا وهناك، يروق لنا هذا الرواج الذي أصبح يحققه الفريق الوطني بعد فترة كساد وبؤس تعايشنا معها بكل القرف الذي سببته لنا، رواج وكلاء يطرقون باب رونار راغبين في نزال ودي بعرض أسماء منتخبات عالمية في مشهد يذكرنا بما كان عليه الحال والوضع ذات يوم مع طيب الذكر هنري ميشيل، ورواج لاعبين تعالوا في فترة من الفترات وأداروا ظهرهم لقميص الأسود فعادوا بما لمسوه بالغابون من ردود فعل انتصارية ليغازلوا رونار، مثل حالة اللاعب زين الدين مشاش والذي طالما تعقبه الثعلب والجامعة وظل «يدفع كبير» تارة يناور بورقة الجزائر وأخرى يطلب مهلة للتفكير قبل الرد الحاسم.
لحسن الحظ أنه في عرين الأسود ثعلب، والثعالب مشهورون بمكرهم كما هم مجبولين على حقد دفين وتعنث أكبر، لذلك لم ينساها رونار لمشاش، وما إن علم برغبة هذا اللاعب بلقائه حتى رد له تحية قديمة برفض اللقاء وطلبه بأن يضبط ساعته بقاعة الإنتظار ريثما يفرغ له وينتهي من أمور أهم.
مع مشاش برز أمين حاريث لاعب نانط والذي قدم تصريحات موثقة لصحف فرنسية مختلفة، يبدي رغبته في تمثيل الديوك ويستجدي بطاقة دعوة وإشارة بالأصبع من ديديي ديشان،  بمنتهى الوقاحة مؤكدا أنه في حال لم يوفق في اللعب لفرنسا سيفكر في اللعب للفريق الوطني، قبل أن يفطن إلى أنه ارتكب خطأ فادحا فعاد للتدارك والنفي عبر حواره مع «المنتخب».
قبل مشاش وحاريث شربنا من كأس لاعبين طاردناهم وغازلناهم ودللناهم وسعى مدربو الفريق الوطني خلفهم، وفي نهاية المطاف مارسوا سياسة التسويف لغاية لحاقهم بخنادق أخرى غير عرين الأسود من بوستة وفلايني لغاية الشادلي وأفلاي ومرورا بالمفرنسين رامي وقابول.
بل أن التاريخ قدم لنا وبالدليل على أن اللاعب المتردد بشأن حمل القميص الوطني والذي يطالب بمهلة للتفكير لا يمكن أن تنتظر منه الكثير وممكن أن يخلي بك عند أول منعرج، كما حدث مع سفيان بوفال الهارب من «الكان».
ومقابل هؤلاء نستحضر روح زياش الوطنية التي جعلته يرفض إغراءات هولندا وحتى ضغوطات الهولنديين التي مورست برعب عليه، إعلاميا وجماهيريا وحتى من نجوم كبار  بهولندا من فان باسطن لغاية داني بلاند حاولوا يائسين جره لتغيير البوصلة والإتجاه فقال لهم «في عروقي دم أحمر وأخضر».
اللعب للفريق الوطني يأتي بالإقبال لا الإدبار والمناشدة، الفريق الوطني فاتح على طول للأذرع والأحضان وهو منزه عن استجداء قبول من أي كان وكيفما كانت قيمته التقنية، لأنه إن لم تحضر الغرينطا ومعها الإقتناع التام بتقرير المصير فلا خير يرجى من أمثال هؤلاء المحترفين ولا يمكن الوثوق بهم في معارك الأدغال، ولنا في «الكان» الذي احتضنته الغابون ما يقيم الدليل على أننا بحاجة لمحاربين لا عازفين.