لا يبدو غريبا أن تستشعر الأندية المغربية الأربعة التي دشنت السفر الإفريقي، نوعا من الصعوبة في سل الشعرة من عجين الدور الأول، كما لا تفاجئنا السيناريوهات الغريبة بل والهيتشكوكية التي أتت بها حلقة الذهاب، فكلما تقدم التنافس في عصبة الأبطال وحتى في كأس الكونفدرالية، إلا وزادت الضراوة وقويت المشاكسات وبات العبور إلى الدور الثاني يفرض كثيرا من التركيز الذهني، بالنظر إلى أن هناك الكثير من التفاصيل الصغيرة التي لا تحل إلا وقد ركز اللاعبون على معضلات تكتيكية واستراتيجية هي من طبيعة السفر الإفريقي.
ويمكن بأثر رجعي، أن نجزم بوجود الكثير من العوارض الفنية والتكتيكية والتي لا علاقة لها بما يجري على أرضية الملعب، والتي تتسبب في إزاحة وإقصاء مبكر لأندية كبيرة وثقيلة في ميزان المنافسات، وكلنا يذكر ما عاناه الوداد البيضاوي السنة الماضية من أجل بلوغ دور المجموعات من أندية تنتمي لبطولات إفريقية مصنفة في مستويات دونية، فقد كان في كل مرة يرهن تأهله ولا يؤمن عليه إلا بضربة حظ أحيانا.
بانتهاء الشوط الأول من مواجهات الدور الأول يمكن القول أن لا أحد من الأندية الأربعة ضمن تأهله ولا أحد أيضا فقد حظوظه في التواجد بالدور المقبل، ما يعني أن جولة الإياب التي ستجرى نهاية هذا الأسبوع ستكون صاخبة وشرسة، لذلك هناك حاجة لحضور البديهة في تدبر مباريات عاصفية، فالوداد لا يغنيه هدف ويليام جبور عن كثير من الهزات والمحن سيفرضها عليه خصمه مونانا هناك بليبروفيل، والفتح يحتاج لصحوة كبيرة ولنجاعة عالية في استغلال أنصاف الفرص بعد أن عاد من تونس متأخرا بهدفين من نادي أهلي طرابلس الليبي، واتحاد طنجة المتأخر بهدف يحتاج إلى وصفة تكتيكية تجسد رقميا ما يتفوق فيه بشريا وتقنيا على كالوم ستار الغيني، وحتى المغرب الفاسي الذي نجح في الفوز بثلاثية على غانوا الإيفواري بالملعب الكبير لفاس، قد يكلفه غاليا الهدف الذي استقبله بميدانه، وفيما لو تكرر سيناريو إياب الدور الأول أمام رونيسونس الكونغولي، فسيكون بلا شك وبالا على النمور الصفر وإعلانا عن نهاية مبكرة للحلم الإفريقي الذي يطارده المغرب الفاسي في ظروف إستثنائية لم يعهدها في أي من خرجاته الإفريقية السابقة.
لم يكن مونانا الغابوني كتابا مفتوحا للوداد، ولكن مع انقضاء أول عشر دقائق صرح مونانا بكشفه التكتيكي وبنواياه أيضا، فممثل الكرة الغابونية كان يدرك جيدا أنه وضع في مواجهة فريق له هوية وله بصمة إفريقية، لذلك عمد لبناء الجدارات دفاعا عن منطقته وحرص على التقليل من هامش الخطأ في القيام بالمهام الدفاعية الجسيمة والثقيلة، ولم تكن المعضلة هي أن يفطن لاعبو الوداد لنوايا مونانا، بل كانت في أن يواجه لاعبو الوداد طواحين الحظ التي كانت تفرم الفرص وأن يقووا على فك شفرة تكتيكية حادة، ومثلما أن الفوز بهدف ويليام جبور الوحيد لا يمكن أن يكون زادا يغني عن رحلة العطش والعذاب لليبروفيل، فإن الوجه الذي سيكشف عنه مونانا يوم السبت القادم في مباراة الإياب هو ما يكبر الخوف فينا.
مونانا الذي قاتل خلال الشوط الأول وهو مكتمل العدد من أجل أن يبقي مرماه عذراء أمام هجوم كاسح للوداد ولم يسقط إلا بهدف وحيد في الجولة الثانية وهو منقوص من لاعب واحد، هذا المونانا لم يقدم إلا لمحات مقتضبة عن ملامح وجهه الهجومي، لذلك فعبور الوداد للمطب الغابوني، سيتوقف أولا على براعة لاعبي الوداد في الضرب عن بعد وفي اصطياد هدف أو هدفين، وسيتوقف ثانيا على طبيعة النهج الهجومي الذي سيتبعه مونانا للفوز بفارق هدفين من أجل تحقيق أحد أكبر مفاجآت هذا الدور من منافسات عصبة الأبطال.
غير الحظ، هناك حاجة لأن تكون الأندية الأربعة على درجة عالية من التركيز الذهني، من أجل وضع الملكات التقنية الفردية والجماعية في خدمة أداء متسم بالواقعية، إذا ما كان سفراؤنا الأربعة يطمحون كلهم لتمديد السفر الإفريقي.