لم أكن على مدار السنوات التي قضيتها مواكبا للفريق الوطني، متحمسا للموضة التي تفشت بيننا كنقاد ومحللين وإعلاميين، بالإنتصار لرأي دون الآخر وبالتطرف في إبداء وجهة النظر، عندما تطرح إشكالية الغياب الكبير للاعبي البطولة الإحترافية عن المنتخب الوطني.
فكلما صدرت لائحة للفريق الوطني وهو على أهبة للدخول في استحقاق رسمي أو ودي إلا وتنافسنا معشر الصحفيين على تعيين النسبة المائوية لتمثيل لاعبي البطولة الإحترافية في المنتخب الأول، وعلى ضوء ذلك تتناثر الأحكام، وكثير منها أحكام قيمة، فيها الكثير من التجني على الواقع وعلى الناخبين الوطنيين المتعاقبين.
شخصيا ما أبديت حماسا لدخول جدل كنت أصفه بالعقيم، لطالما أن المكانة بالفريق الوطنى تنتزع بالكفاءة وبالمجهود وبالتطابق الكامل مع المعايير التي تحضر في فلسفة كل الناخبين الوطنيين، وقد كان لزاما أن نطرح سؤال هذا التراجع المهول للاعب الممارس بالبطولة الوطنية في صلب الفريق الوطني، بمعزل عن السطحية والشعبوية، وأن نستشف من الإشارات التي يرمي بها كل الناخبين الوطنيين الذين تعاقبوا على الفريق الوطني في العقدين الأخيرين، ما يضعنا في جوهر الحقيقة وليس في هوامشها.
بعد النزال الودي الذي خاضه الفريق الوطني أمام نسور قرطاج والذي شهد حضورا نوعيا للاعبي البطولة الوطنية، في محاولة من هيرفي رونار لافتحاص الملكات التقنية لبعض من اللاعبين الذين برزوا في الآونة الأخيرة، قال الناخب الوطني أنه سعيد بالحماس القبلي الذي يبديه لاعبو البطولة، وبجاهزيتهم النفسية والبدنية للدخول في المنافسة على مقعد داخل الفريق الوطني، إلا أنه شدد على ضرورة أن يتطور هؤلاء على المستوى التكتيكي، لطالما أن اللعب في المستويات العالية يفرض ثقافة تكتيكية عالية جدا تؤهل للتطابق مع ضرورات فلسفة اللعب التي يأتي به الناخب الوطني ويبدع اللاعبون القادمون من أندية أوروبية في تنزيلها بفضل ما حصلوا عليه من تكوين علمي عالي المستوى.
وليس هناك من خلاف على أن اللاعب المحلي لا يقدم برغم ما يتوفر عليه من ملكات تقنية رائعة، ما يدل على أنه متطابق مع لزوميات اللعب في المستويات العالية لوجود الكثير من الموانع والمعطلات ذات طبيعة تكوينية وهيكلية، وكل من يتفحص تكتيكيا مباريات البطولة الإحترافية، لا بد وأن يحصي العديد من المعطلات حتى لا أقول التشوهات البنيوية والتي تعيق كل قدرة على تقديم مباريات بإيقاعات سريعة وبمضمون تكتيكي غني.
وللاعب المحلي الكثير من الأعذار لتبرير ضحالة ثقافته التكتيكية، أولها أنه لم يتلق التكوين الأكاديمي البحث، لخلو الأندية حتى الكبيرة منها من إستراتيجية تكوين بالمستوى الذي تفرضه الكرة الحديثة، ولوجود مؤطرين غير مؤهلين التأهيل العلمي لممارسة التأطير بخاصة في الفئات العمرية المفصلية، وأيضا لضعف البنيات التحتية والإمكانات المالية المرصودة، ما يجعل كل الفئات العمرية تقتات لوجيستيكيا وماديا من فضلات ما بقي عن الفريق الأول، وحتى عندما يصل اللاعب إلى الفريق الأول فإنه يعيش جحيما لا يطاق، ليس فقط بسبب التدبير السيء الذي يجعله باستمرار تحت رحمة سفاهات المسيرين، ولكن أيضا بالتغيير السافر للمدربين في الموسم الواحد، فهذا اللاعب على ضعف ثقافته التكتيكية وضحالة تكوينه، يواجه في الموسم الواحد بأربعة مدربين يختلف عندهم الخطاب وتتباين أساليب التبليغ، وقد يطلب منه مدربا نقيض ما طلبه مدرب قبله، ما يعرض اللاعب لحالة من التشتت الذهني تجني كثيرا على مؤهله التقني، هذا إذا كان يملك في الأصل مؤهلا تقنيا. 
كيف ندفع اللاعب المحلي ليكون له موطئ قدم بالفريق الوطني؟
الأمر لا يكون برفع الشعارات ولا بتنظيم مسيرات إحتجاج في شوارع التواصل الإجتماعي ولا باللغو  في منتديات الحوار، ولكن بالتوجه رأسا إلى منظومة التكوين عندنا، لنضع لها ضوابط جديدة تتطابق مع مستلزمات الكرة الحديثة بالصرامة والإصرار الذي لا يبقى مجالا لجبر العواطف أو للتدبير الهاوي.