لا أحد يرضيه أن يطالع وجهه بالمرآة وعلى خذه ندوب، بل نجتهد أحيانا كلما داهمتما عاديات الدهر لأن نصلح بعض أعطابها بالعطار كي يطل هذا الوجه نظرا وبشوشا لا يثير قرف الآخرين.
الرجاء والوداد هما الوجه المشروك للكرة المغربية سيما في سنوات الغزو الفضائي والإلكتروني الذي سافر بهما عالميا وروج لهما في كل المعمورة، والديربي هو المرآة التي تقدم هذا الوجه إن في نظارته وإشراقه للعالم أو بالنتوءات والتجاعيد والندوب التي عكسها آخر تسويف لهذا المنتوج في صورة الويكلو البئيس والحزين.
يهمنا وقد عاد الديربي لوكره وعاد للمركب الأسطوري الذي شهد روائعه الخالدة أن يقدم نفسه للعالم في مرآة لامعة، وأن يستحوذ على نفس الإعجاب والقبعات التي رفعت له في السابق بفضل كالبغرافيا الجمهور وهذه المرة نريده أن يرتقي عاليا بفضل سيقان اللاعبين على العشب لا على المدرجات.
أي انقلاب في موازين الكون حتى لا أقول الكرة، حتى صار الديربي الذي كانت تهفو إليه نفوس البيضاويين كمناسبة تخلد للإحتفال وبشوق  لوع في رؤوس نفس الساكنة ومصدر قلق بهواجسه الطاغية وفيروسه المستشري قبل وأثناء وحتى بعد الحوار الكروي ولنا في هذا سوابق وبالدليل؟
يفترض والديربي قد أطل في الربيع أن يكون بمثابة المزهرية التي تتحلق فيها الأزهار وأقصد إئتلافي اللاعبين والجمهور لتزيد من جمالية الفصل ورونقه، لا أن يكون هذا الديربي مرادفا للخريف في عز الربيع.
لا نريد في الديربي 122 سلاليم بالمدرجات، لا نريد سطوة شرذمة مارقة على عقول البقية لتسلبها روحها الرياضية وحبها البريء للعبة وتحشرها معها في نفس خنق الشغب والفوضى والعبث الرخيص والذميم بحريات الغير.
نريده ديربيا بنفس الشعار الذي حمله جمال فتحي وجمعيته «ما تقتلوش الكرة» وهو نداء موجه لمجهول معلوم وبإيحاءات عريضة تبرز الخطر الداهم والجاثم على الأنفاس كلما اقترب هذا الموعد بفعل تأليب نفس الفئة التي يليق بها وصف الأوباش وبأخف أوصاف القدح إن جاز السياق.
لا نريد ديربي التنابز بوصف هذا الفصيل للثاني بالقردة ورد الآخرين بـ «حمير الموقف» ولا بالصورة المستفزة لتيفوهات تخرج عن سياقاتها الشريفة ورسائلها المعبرة لتغمز وبوقاحة للمعترك والجبهة الثانية بما يشبه صب النار على الزيت.
نريده ديربي أقدام أيضا ينتصر من خلاله اللاعبون على أنفسهم ويتصدوا لخجل وتواضع جعلهم في السنوات الأخيرة أقزاما في حضرة تجمع عملاق إسمه الديربي، وأن يعيدوا للديربي تعريفه ونكهته التي استمدها في بداياته من روعة وعزف اللاعبين لا من ألوان البهرجة التي طغت لاحقا على المدرجات وحولت المواجهة لفولكور ومعرض فني.
يهمنا والعالم يترقب ويتابع عودة الديربي لملعب صرفت عليه الملايير المؤداة من ظهر نفس الشعب الذي سيتابع المباراة من الملعب وخلف الشاشة، أن لا نصدر لهم صورة سلبية عن شعب عاشق للكرة ويراهن على احتضان مونديال كوني لاحقا، وأن لا يتجرأ أي من كان على حرمات الثاني ولا على سيادته داخل وخارج أسوار المركب، لأنه قمة القبح أن يضع المواطن البسيط مالك المقهى والدكان، وصاحب المتجر والبائع المتجول لغاية سائق الطاكسي يده على قلبه توجسا بعد فض مولد الديربي، وانتشار فلول يحكمها الغصب الساطع ليفجر وبالمجان بوجه هؤلاء الأبرياء.
رهاننا كبير على ديربي خال من الأوباش، خال من الوحوش البشرية وخال من الحشرات الضارة والمسمومة، ديربي المصالحة مع الذات الإنسانية المجبولة على قيم التسامح وعدم إلحاق الأذى بالغير قبل كل الأشياء الأخرى المرتبطة بدرع أو ما سواه.
ماذا يضر لو تم التطبيع عبر هذا الديربي مع جودة الأداء، مع الإرتقاء بالمستوى التقني لأعلى زئبق ممكن للاعبي الفريقين، وخاصة لو تصدى كل واحد من الجمهور ومن تلقاء النفس وبتحريض منها ويتقمص دور الشرطي والمربي، لكل من سولت له نفسه الخروج عن النص، إذ ذاك سيكون هذا الديربي أول منطلق للتصحيح.