قد لا تصح المقارنة من أي نوع لوجود فوارق كبيرة لا تقبل أساسا بالقياس لا العلمي ولا حتى العاطفي.. ولكن هناك ما يقول عندما سأعرض أمامكم حالات ثلاث لمنتخبات ثلاثة خرجت من الدور الأول لكأس العالم أن بعض القياسات تصح حتى مع وجود الفارق..

الحالات الثلاث تتعارض برغم أن المصير واحد، هو الإقصاء والخروج الصاغر من أولى حلقات العرس المونديالي والكوني، ففي الجزائر العاصمة، ليلة الجمعة إلى السبت حطت بمطار الجزائر الطائرة التي أقلت الثعالب وقد عادوا لتوهم من جنوب إفريقيا.. وكم كانت سعادة لاعبي ومؤطري الجزائر الممثل الوحيد لكرة القدم العربية بالمونديال كبيرة، وقد احتشد المئات من الجزائريين يتقدمهم عدد من الوزراء، جاؤوا كلهم لتحية وتهنئة الثعالب بما يمكن أن يصطلح عليه جزافا وتجاوزا مونديال مشرف.

ولأن الرسائل تختلف شفراتها فقد أوصل الساسة رسالة تقول بالحرف.. نهنئ أنفسنا على أن منتخبنا الجزائري قدم مونديالا جيدا برغم أنه خرج منه متذيلا لمجموعته بصفر فوز، بتعادل وبهزيمتين ومن دون أن يسجل أي هدف.. لقد قدم كل الضمانات على أنه سيكون فارس الحاضر والمستقبل.

ليس بعيدًا عن الجزائر، بفرنسا خططت الحكومة الفرنسية لأن تكون عودة المنتخب وقد صاغ فضائح بالجملة في جنوب إفريقيا في غاية السرية وبإعمال أحدث وسائل التأمين، ما حال دون حضور آلاف الفرنسيين إلى المطار لتقديح اللاعبين وشجب مسلكياتهم وتوجيه صريح اللوم والعتاب للمدرب ريمون دومنيك.

والواقع أنه إن لم يقذف اللاعبون ومدربهم دومنيك وحتى أعضاء الجامعة بعيارات الغضب والحزن والشكوى مباشرة، فإن كل فرنس اليوم لاحديث لها إلا عن منتخب جلب العار والهوان لشعب بكامله، بعد أن كان مصدر سعادتهم وفخرهم مرة أولى، عندما توج هذا المنتخب بطلا للعالم لأول مرة سنة 1998 ومرة ثانية عندما بلغ هذا المنتخب سنة 2006 المباراة النهائية وخرج منها وصيفا للبطل.

ولم يزد منتخب فرنسا عن منتخب الجزائر شيئا، سوى أنه فجر فضيحة كبيرة خارج ملعب التباري، عندما أساء نيكولا أنيلكا الأدب على مدربه وهو ينعثه بإبن العاهرة، فترتب عن هذا الإنفلات الأخلاقي الكبير طرد أنيلكا وإضراب اللاعبين الفرنسيين عن التداريب ورفعهم رسالة احتجاج صارخة على الطرد التعسفي لزميلهم.. 

بإيطاليا لم تحترس الحكومة الإيطالية كثيرا.. فقد إكتفت بأن وضعت متاريس وحواجز مانعة، مر منها لاعبو المنتخب الإيطالي ورؤوسهم مطأطأة من دون أن يمنع ذلك عشرات الإيطاليين الملتاعين بالخروج المذل للسكوادرا دي أزورا من الدور الأول من توجيه عبارات الإستهجان لمنتخب تقاسم مع المنتخب الفرنسي صفة المنتخب الجالب للعار.

وقد يكون الإنطباع الأولي الذي قدمه مسؤولو وجماهير هذه المنتخبات الثلاثة بين 16 منتخبا غادروا المونديال من دوره الأول دليلا على نوعية القراءة النقدية التي سيعلمها كل جانب لمشاركته المونديالية، وأخاف أن يعكس الجزائريون ما نكون عليه نحن دائما من غلو في التفاخر بأشياء تافهة حتى أن كثيرا من الإنجازات التي تتحقق لا تكون محفزا للعمل في العمق وأكثر منه لنسف مصيبة الإشباع، فتذهب إلى أحداث رياضية تالية برهان تحقيق ما هو أفضل، ما هو يتطابق أصلا مع قدراتنا..

ولو نحن عزلنا منتخب الجزائر الحالي عن محيطه وعن مناخه وأيضا عن الخرائب التي طلع منها، فإننا سنجد في محصلته بمونديال جنوب إفريقيا ما يقول بأن المشاركة كانت كارثية للجزائر أولا، مخيبة لآمال العرب ثانيا، وضربة قوية لكرة القدم الإفريقية ثالثا..

كارثية للجزائر إذا ما نحن قسناها مثلا بما كان عليه الأمر قبل 28 سنة تحديدا بإسبانيا سنة 1982 عندما حقق ثعالب الجزائر في أول حضور لهم بكأس العالم فوزين على ألمانيا والشيلي.. وكانت نقاطهم الست كفيلة بأن تصعد بهم كأول منتخب عربي وإفريقي إلى الدور الثاني لولا التواطؤ المفضوح بين ألمانيا والنمسا..

وكانت المشاركة الجزائرية مخيبة لأمال العرب، فقد كان المؤمل من سفير العرب الوحيد أن يأتي بما هو أفضل بكثير مما أتت به منتخبات عربية طبعت كأس العالم بإنجازات فريدة (المغرب والسعودية) وكانت المشاركة في مقام ثالث ضربة قوية لإفريقيا، لطالما أن منتخب الجزائر كان بين ستة منتخبات إفريقية تحضر كأسا عالمية تقام لأول مرة على أرض إفريقية. وجاءت الحصيلة الباهثة للجزائر كما للكاميرون وبدرجة أقل لجنوب إفريقيا ونيجيريا وكوت ديفوار لتضر بمصالح الكرة الإفريقية.. فقد كان المؤمل أن يفتح مونديال جنوب إفريقيا جبهة نناضل فيها كأفارقة للحصول على مقعد إضافي في النهائيات..

وعلى قدر إمتعاضي من سماجة تعاملنا كعرب وكأفارقة مع محصلاتنا الكروية في كؤوس العالم، على قدر ما كنت بغاية الحرص على متابعة تداعيات المشاركة الكارثية لمنتخب فرنسا في المونديال الحالي وخروجه الصاغر من الدور الأول.

وبرغم أن ما كان رقميا في مونديال جنوب إفريقيا لم يختلف في الأرقام والمعطيات والمحصلة عن الذي كان في مونديال 2002 بكوريا الجنوبية واليابان، إلا أن الزلزلة كانت هذه المرة عظيمة وقوية، بل وناسفة لكل قدرة على تدبير الإخفاقات، لربما لأن ما كان من هزالة وفظاعة في المباريات الثلاث رافقه حادث أنيلكا الذي حكيت عنه..

ولأن المنتخب الوطني قبل أن يكون مسؤولا من جامعة وطنية تدار بنظام المؤسسة وتعمل على أساسات قانونية، ويقف على رأسها شخص منتخب ديمقراطيا، هو ملك للشعب، حامل لرمزية معينة وأيضا محاط بنوع من القدسية إعتبارا لما ينتجه عند أبناء الوطن من إحساس جارف وشعور قوي بالإنتماء.. فإن الحكومة الفرنسية وقبلها الرئيس نيكولاي ساركوزي طلبا معا أن تعكس كل الأضواء على كارثية الحضور في مونديال العار.. وقد سلك كل واحد مسلكه في التقصي عن الحقائق، مادام أن الفرضية الغالبة هي أن شيئا ما تسرب عن طريق الخطأ إلى جوهر وقاعدة وأساس العمل فأصاب كل الآلة بالخراب..

نيكولاي ساركوزي إستمع بإمعان إلى تيري هنري، وقد فضله على العميد المخلوع باتريك إيفرا.. ووزيرة الصحة والرياضة تجمع ما تستطيع من معطيات عن طريق مساءلة المحيط بكامله.. وكاتبة الدولة في الرياضة راما ياد التي كانت أول من أطلقت صافرة الإنذار والإستهجان عندما تفاجأت للرفاهية التي طبعت إقامة منتخب فرنسا في جنوب إفريقيا.. وكأنه لا يحضر لمعركة كروية ضارية لا تستحق إظهار وإفشاء كل هذا الثراء..

وإذا كانت إشارات كثيرة قد قالت بضرورة تنحي السيد إيسكاليث عن الرئاسة اليوم قبل الغد لكونه كان مسؤولا مباشرا عن الإنحراف الخطير للمنتخب الفرنسي، فهو من ركب رأسه للإبقاء على دومنيك مدربا، وهو من وافق بإعمال مبدأ الحياد على الأسلوب الذي أتبع في تدبير منتخب فرنسا، وهو من أخطأ للمرة الألف عندما سمى لوران بلان مدربا لمنتخب فرنسا والفريق في الطريق إلى المونديال..

هذا الضغط الرهيب الذي تمارسه الحكومة الفرنسية على جامعة كرة القدم لحثها على عقد جلسة إعتراف بالمسؤولية عن الفشل والإستقالة تضعه الفيفا في خانة المحظورات، وكلنا يعرف أن ما ترفضه الفيفا جملة وتفصيلا بل وتذهب معه إلى فرض أقصى العقوبات هو تدخل الحكومات في عمل الجامعات الوطنية..

الفيفا تحذر فرنسا من العمل بمقولة الواضحات من المفضحات وتحذرها أيضا من مغبة الذهاب بعيدا في أسلوب الإفتحاص والضغط والترهيب لدفع الآخرين للإستقالة، وهذا التحذير قرأته في ثنايا ما قاله جيروم فالك، السكرتير العام للإتحاد الدولي لكرة القدم متحدثا للصحافة الفرنسية: «هناك نظام يعمل به في تدبير كرة القدم، لذا نطلب من فرنسا أن تحترم هذا النظام، وهذا النظام يقول أن أي جامعة تدار من طرف رئيس منتخب من قبل الجهاز الإنتخابي لمدة معينة، وإذا ما شعر هذا الرئيس بمسؤولية في الإخفاق وأراد التنحي فهناك إجراءات لا بد من إحترامها في تنصيب بديل له. تلك الإجراءات تكون موضوع طلب يوجه للفيفا، لكي تعرف الفيفا أن هناك رئيسا سيباشر المهام بالإنابة..

أما إذا كانت النية تتجه إلى تغيير الجهاز الإنتخابي للجامعة الفرنسية برمته فلا بد من أن يكون هناك حوار مفتوح مع الفيفا، هناك في قوانين الفيفا تعريف واضح بخصوص الإنتخابات.. طريقة إدارتها وتوقيتها.. وتوضحت الرؤية وفلسفة العمل والحدود الصارمة التي تضعها الفيفا عندما قال جيروم فالك تعليقا على تصريحات لروزلين باشلو وزيرة الصحة والرياضة التي دعت رئيس الجامعة للإستقالة..

«قلنا لها.. السيدة الوزيرة إحذري من كل كلمة تتفوهين بها.. لست أنت من ستطالبينه بالإستقالة.. هو من عليه أن يأخذ قرارا بالإستقالة..».

عفوا أنتم في محكمة الفيفا..