تابعت ما كان من سجال كلامي في منصات الإعلام أو في مواقع التواصل الإجتماعي حول صفة العالمية، على من يجب أن نسقطها؟
ومناسبة هذا السجال هو مونديال الأندية المنتهية نسخته الرابعة عشرة أول أمس السبت بالإمارات بتتويج الملكي بطلا لكل القارات، وشهد حلول الوداد البيضاوي في المركز السادس بعد خسارته لمباراة الدور الثاني أمام باتشوكا ولمباراة تحديد المركز الخامس أمام أوراوا الياباني.
وبلغ التشنج والإحتقان حدا نسي فيه من ألهبوا مواقع التواصل الإجتماعي بجمار الغضب الذي يعمي البصيرة وينزع عن أصحابه الحكمة، أن العالمية وما عداها من توصيفات ليست قطعية، وإن أسقطت على فريق فإن المعيار ليس علميا بالكامل.
أن يصبح فريق بطلا لقارته، فإن ذلك يفتح له أبواب العالمية، ما دام أن ذلك يتيح له الفرصة المشاركة في بطولة عالمية يجتمع بداخلها كل أبطال القارات، فهو إذا بمفهوم عام بات ناديا عالميا، أما إن توج باللقب فإن ذلك يعطيه صفة بطل أبطال القارات، وهذا وصف أكبر وأقوى، لأنه يغني الرصيد المادي واللامادي للفريق.
وعالمية الأندية قد لا تكتسب من مجرد المشاركة في كأس العالم للأندية، أو من شرط الوصول للقب البطل فيها أو لقب الوصيف، بل إن الأندية قد تنالها إن هي أسست لهوية كروية واستثمارية وتنظيمية راقية في محيطها الدولي قبل القاري وباتت ماركة رياضية مسجلة في المشهد الكروي القاري أو الدولي، يتبارى الآخرون في النسج على منوالها، وإن هي نجحت في نقل صورتها تنظيميا وجماهيريا للعالم، والدليل أن باريس سان جيرمان الفرنسي على سبيل المثال لا الحصر، يوصف اليوم بالنادي العالمي على الرغم من أنه لم يتوج بلقب قاري ولم يشارك في أي من النسخ الأربعة عشرة لمونديال الأندية، ثم بماذا تنفع الأندية عالميتها إذا لم تحصنها ضد البداءات والتفسخ والإنحلال وكل الصور القبيحة في التدبير، تدبير الإرث التاريخي طبعا؟
لا ينبغي أن نكون متطرفين في الإنتماء لهذا الفريق أو ذاك، إلى الحد الذي يجعلنا نرفض الإختلاف الذي هو قاعدة أساسية في التطور الإنساني، وإلى الحد الذي يجعلنا نلعن من يتجرأ علينا بوصف أو بلقب أو حتى بتسمية ليس لهم في الأصل الرياضي أية أهمية، فما عرفت يوما أن العالمية تهدي ألقابا، وما عرفت العالمية تحل الأزمات المالية الخانقة وما عرفت العالمية حصنا يحمي من الوقوع في كوارث كالتي تعطينا أنديتنا نماذج وعينات منها بين الحين والآخر.
.........
أبدعت الإمارات العربية المتحدة الشقيقة في إهدائنا كأسا عالمية للأندية تطابق في الأصل، ما هو معهود فيها عند تصميم أحداث رياضية كونية لا يمكن أبدا أن تسقط من الذاكرة.
عززت الإمارات رصيد الإبهار وهي تضفي لمسة سحر جديدة على تنظيمها للنسخة 14 لكأس العالم للأندية، فلم يسجل على هذا التنظيم أي خلل من أي نوع، صحيح أن الإتحاد الدولي لكرة القدم يطور كل سنة منظومة إدارة أحداثه الكبرى، ويسهر عبر أسطول من الكفاءات المتعددة الجنسيات على تأمين كل شروط النجاح، إلا أن النصيب الأكبر في تحقق هذا النجاح المبهر هو لدولة الإمارات العربية المتحدة التي رصدت قياداتها الرشيدة ولجنتها التنظيمية العليا كل الإمكانات البشرية قبل اللوجيستيكية لجعل هذا المونديال حدثا مرجعيا في تحديد قيمة وشروط النجاح.
وإن كان متوقعا أن تواصل الإمارات رحلة الإبداع في زيادة سحر مونديال الأندية وهي المخول لها تنظيم النسخة 15 لكأس العالم للأندية العام القادم، فإن الفيفا مدعوة لأن تسارع إلى تبنى نظام جديد لمونديال الأندية، نظام بديل يحقق نوعا من العدالة في تباري أبطال القارات في ما بينهم، فلا يعقل أن يأتي بطل قاري لحدث عالمي، يلعب مباراة واحدة وإن خسرها ذهب لحال سبيله، كما لا يعقل أن يبدءا بطلا أوروبا وأمريكا اللاتينية هذا المونديال من دور النصف وغيرهما خاض قبلهما مباراة أو مباراتين.
إينفانتينو رئيس الفيفا وعد بنظام جديد تتحقق فيه العدالة، وها نحن ننتظر.