شدني إليه مروان الشماخ وهو يضع بصمته الأولى بالبطولة الأنجليزية التي لن نختلف على أنها بطولة مميزة، ذات طبيعة كونية ومختلفة كل الإختلاف عما عداها من بطولات أوروبية.

كنت وأظنكم كنتم معي تقدرون الحالة النفسية التي كان عليها مروان الشماخ وهو يقتحم مغارة الأنجليز، لاعبا للأرسنال، بل ونجما تبارت الصحف الأنجليزية في اعتباره قيمة كروية ستجمّل لا محالة العرس الكروي الأنجليزي، فقد كان هناك ما يقول بوجود حالة من التوثر النفسي عند الشماخ لا علاقة له على الإطلاق بما أصبح عليه قائد أسود الأطلس من إختمار بعد المواسم الرائعة التي قضاها مع بوردو وبعد كل الذي فعله من أجل إقتحام الأغوار الأوروبية.

وكان قدر مروان الشماخ أن تكون بداياته الأحد الماضي في البطولة الأنجليزية من مباراة هي واحدة من قمم البرميرليغ، لقد كان الشماخ والأرسنال في ضيافة ليفربول بالأنفيلد، ولأن هودسن الضليع في أحوال الكرة والذي حل بديلا للإسباني رفائيل بنتيز على رأس ليفربول، كان يعرف معرفة نفسه مروان الشماخ، فقد فرض عليه بشكل كلاسيكي رقابة لصيقة، عندما أوصى مدافعه «الأصلع» السلوفاكي سكيرتل بإحصاء أنفاسه، حتى أنه ما ترك مساحة تحرك فيها الشماخ إلا وأعلنها منطقة محظورة، بل إنه أجاد كثيرا تطويق الشماخ جسدا وظلا..

وتقدم ليفربول وهو منقوص من لاعب واحد، وشعرنا بأرسين فينغر وهو يعدد التغييرات للزيادة في الجرعة الهجومية يقدر أن الشماخ سيتمكن ذات لحظة من ضرب الحصار وتكسير القيد وتنظيف الجسد من أغلال الرقابة، لذلك تركه وسط غابات السيقان، وكانت المفاجأة كبيرة عندما لدغ الشماخ الإسباني راينا حارس ليفربول من جحر لم يتوقعه، فأسهم هو والحظ في توقيع هدف كاريكاتوري، كافأ صبر الشماخ وجرأة فينغر، وقالت المباراة الأولى أن مروان إفتتح موسمه الأنجليزي بأروع طريقة، كما ردد كل الخبراء مع فينغير بأن الشماخ سيكون شهبا مميزا في سماء البطولة الأنجليزية.

وبترتيب مسبق وجدتني وقد انتهى الشماخ إلى صياغة مقدمة إليادته بأنجلترا على نحو جميل، أعرج على مباراة نادي "كان" وهو يستضيف في قمة كبيرة برسم ثاني جولات البطولة الفرنسية نادي أولمبيك ليون، وكان وجه القمة في المباراة أن "كان" باغت الكل وهو يسقط البطل أولمبيك مارسيليا بقلعة الفيلودروم، لذلك توقع منه الجميع حضورا أنطولوجيا وهو يلاقي وصيف البطل، أما نحن فقد كان يهمنا من القمة النجم المغربي الواعد يوسف العرابي، الذي وقع هدفا أنطولوجيا في مرمى مارسيليا وكان النجم المطلق للدورة الأولى من البطولة الفرنسية، ما جعل وسائل إعلام فرنسية كثيرة تتسابق لتسلط الأضواء على الفتى المغربي وتحاصره بسؤال يضغط على كل العقول..

هل تشعر أنك بهذا الأداء الملفت للنظر قد قطعت خطوة نحو منتخب فرنسا؟

وجاء جواب يوسف العرابي قاطعا كالحسام المهند..

أنا مغربي ولطالما حلمت بحمل قميص المنتخب المغربي، وأبدا لن ألعب لغير المغرب..

كانت الرسالة واضحة، قوية ومؤثرة إلى حد كبير، بل ومحرضة على أن تتحرك الجامعة بأقصى سرعة ممكنة لمطابقة العرابي مع حلمه، حتى لا نعض ذات يوم الأنامل ندما وحسرة على أنه طال به الإنتظار فمال حيث تميل الرياح والأهواء...

وكان شيئا رائعا أن يقص يوسف العرابي شريط الدهشة بتوقيعه لهدف خارج كل أزمنة الرصد، لقد تمتع ببرودة المهاجم الكبير وهو يرفع بالمقاس وبمنتهى الذكاء كرة فوق حارس ليون افتتحت مهرجانا كرنفاليا قوامه خمسة أهداف، لتنتهي المباراة بفوز "كان" بثلاثة أهداف لهدفين، محققا فوزه الثاني على التوالي ومعتليا  صدارة البطولة الفرنسية، ومؤكدا على أن يوسف العرابي هو من سيخلف مروان الشماخ في رسم لوحات كروية جميلة بمداد مغربي في البطولة الفرنسية..

------------------

لست أدري هل أخاف على الرجاء أم أغبطها؟

هل أخاف عليها وقد أعادت كثيرا من محاربيها القدامى وفي ذلك مجازفة كبيرة، أم أغبطها على أنها تنبهت إلى أن مواجهة الرهانات وهي بحجم الجبال تحتاج إلى رصيد بشري وإلى عناصر مخضرمة تستطيع بمرجعيتها أن تركب كل الأهوال..

كنت ذات وقت قد عاتبت الرجاء على أنها تفرط في التحلل من عناصر وازنة، هيأتها، أطعمتها وأعطتها بهجة اللعب بأسلوب الرجاء، وفي وقت الشدة تركتها ترحل صوب وجهات كروية ظاهرها مادي وباطنها نسف علني للملكات الفنية، وعندما يكون لزاما على الرجاء أن تركب الأمواج الإفريقية العاتية، تسقط لسبب واحد ووحيد هو أن تركيبتها البشرية لم تكن بالقدر الكافي من الجرأة ومن الجسارة لركوب هذه الأمواج.

ولأن الرجاء يقودها اليوم الحاج عبد السلام حنات، وهو رجل عركته التجارب، فقد كان التوجه تحت الإكراه إلى إستقطاب عناصر وازنة للوصول بالتشكيل البشري إلى الهيئة المثلى والرهان طبعا هو أن تنافس الرجاء على كل الألقاب، ولماذا لا تعيد صورة الرجاء المكتسحة التي هيمنت على عروش كثيرة نهاية القرن الماضي وبداية الألفية الثالثة..

قطعا ليست الرجاء التي شاهدناها تقتنص تأهلا صعبا من إتحاد تمارة عن منافسات كأس العرش، هي الرجاء التي سنشاهدها بعد أيام عندما يتم تأهيل الأرمادا البشرية، وبالأخص عندما يصل الإنسجام الجماعي إلى مستويات عليا، بخاصة وأن من يتدبر الرجاء تقنيا مدرب في قيمة وحكمة هنري ميشيل..

هل تصدق أن الوداد بكل هذه الهشاشة؟

أن يتصدع البيت وتتداعى كل مشاهد الفرح القريبة، ويسقط السقف على الرؤوس إيذانا بفتنة طاحنة لمجرد أن الفريق خسر من النادي القنيطري وودع منافسات كأس العرش؟

لا علاقة لكل الذي سمعته بالفكر الإحترافي أو بالرزانة في تدبر أزمة نتائج عابرة، بخاصة وأننا في بداية موسم كروي طويل وعريض، فقد أتفهم أن الجماهير الحمراء تعشق كل ما يرمز للفوز، وأنها لا تبدي تبرما في الوقوف مع فرسانها في أي وقت، ولكن هل ينفع أن ترتفع الأصوات في نشاز قاتل وتسل السيوف من غمدها ويبدأ الوداديون مسلسل التراشق بالتهم؟

قطعا لا.. فمصلحة الوداد هي في إلتزام أقصى الهدوء لمغالبة الظروف والقفز على الإشكالات والتخلص من جاذبية الهزائم، وإن كان ضروريا أن يغير الفريق ربانه ليعود إلى الأصل المرفوض فليكن ذلك بعد أن يتأكد الجميع بما لا يدع مجالا للشك في أن لا رجاء مع مدرب إسمه دوس سانطوس.