يصل ملف المغرب 2026 إلى المحطة الختامية لسفر مضن وشاق، وكل القيمين عليه هم بدرجة عالية من الإعتقاد، على أنهم فعلوا كل ما يمكنهم فعله لينتصروا للقيم الإنسانية والإنمائية والرياضية لمشروع ضخم بقيمة تنظيم كأس العالم، القصد أن يكون العمل قد ألم بكل الجوانب الظاهرة والخفية التي يتطلبها سباق من هذا النوع ومنافسة من جنس هذه المنافسة، التي تضع الملف المغربي في مواجهة ملف أمريكي شمالي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية بكل نفوذاتها السياسية والإقتصادية والديبلوماسية، وعلى حلبة السباق تبرز الكثير من العوامل تجعله سباقا سياسيا أكثر منه سباقا رياضيا.
ستأتي الجامعات والإتحادت الوطنية الأعضاء داخل الإتحاد الدولي لكرة القدم إلى موسكو، لتجعل من الجمعية العمومية الثامن والستين لحظة تاريخية، أبدا لا نريدها أن تشبه في المصير الحزين ما كانت عليه اللحظات الأربع، المدرجة في زمن الإحباط المغربي، عندما لم تحقق «الفيفا» للمغرب حلم تنظيم كأس العالم في أربع مناسبات سابقة.
من أصل 211 جامعة وطنية عضوا داخل «الفيفا»، ستصوت 207 جامعة يوم الأربعاء القادم، على أي من الملفين سيحظى بالثقة من أجل تنظيم كأس العالم لسنة 2026، بالنظر إلى أن اللوائح تقضي باستبعاد الدول المتنافسة على التنظيم (المغرب، الولايات المتحدة الأمريكية، كندا والمكسيك)، وطبعا ستكون كل هذه الإتحادات قد أخذت، علما مسبقا بما أفضت إليه زيارات المعاينة التي أنجزها فريق العمل التقني التابع لـ «الفيفا» لكل الدول المتنافسة على تنظيم المونديال، والمتضمن في تقرير من 224 صفحة، يجرد بشكل دقيق ومفصل كل ما رصدته العين المجردة وكل ما جرى استنتاجه من خلال مطابقة الملفين معا مع دفاتر التحملات.
تشعر إذا لجنة الترشيح المغربي بحالة من الرضا وأيضا بالإقتناع الكامل، على أنها عملت المستحيل من أجل أن تتطابق بالكامل مع المعايير الدقيقة والصارمة، سواء تلك التي كانت أصلا موجودة في غرف «الفيفا» أو تلك التي جرى تحيينها مع مجيء إينفانتينو، لمزيد من تحري الدقة في انتقاء البلد أو البلدان المستضيفة لأكثر الأحداث الرياضية كونية، ويمكن التعبير عن هذا النجاح الأولي للجنة الترشيح في الوفاء بكل التعهدات وأيضا القفز على الكثير من الحواجز بخاصة تلك التي تمت إضافتها بخبث:
أولا بالنقطة التي تحصل عليها الملف المغربي من قبل لجنة التفتيش (طاسك فورص) والتي تؤكد أن المغرب برغم أنه إنبرى وحيدا لتنظيم مونديال من 48 منتخبا، إلا أنه حقق الشروط الدنيا من أجل استضافة الحدث، وهو ما يعني أنه سيكون مؤهلا ليكون المستضيف المثالي والنموذجي للمونديال بعد 8 سنوات من الآن.
ثانيا بالجولات المكوكية لوفود مغربية جالت العالم كله لاستقطاب أساطير الكرة ومشاهير الإعلام الرياضي، ومن أجل حشد التأييد للملف المغربي.
وثالثا بالتدبير الذكي والحضاري لمنافسة تضع بلدا ناميا في مواجهة قوى عظمى، فبينما إلتزم الملف المغربي بكل قواعد اللعب النظيف وأبدا لم يمارس أي ضغط من أي نوع على أي من الدول، لجأ الملف الامريكي الشمالي تحت تأثير النجاحات التي حققها الملف المغربي، إلى الترهيب والتخويف ولا أظن أننا سنجد وصفا غير هذا، لوصف ما حملته تغريدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي تحدثت عن السباق المغربي الأمريكي لتنظيم كأس العالم ووجهت رسائل تهديد لكل من سيصوت ضد الملف الأمريكي الشمالي.
وأيا كانت الإعتبارات التي تتمنى «الفيفا» أن تسود عملية التصويت على البلد المنظم لكأس العالم، لتنزيل قيم التشاركية في صناعة القرارات الكبرى، فإن المؤشرات كلها تقول أن التصويت سيكون تصويتا سياسيا، تستحضر فيه الدول مصالحها الإقتصادية والجيو سياسية، بل إن من الإتحادات من ستأتي إلى موسكو وفي حقيبتها توجيهات صريحة من طرف القادة، للتصويت على هذا الملف أو ذاك.
لا أريد أن أظهر في هذا الذي أسوقه من اعتبارات موضوعية، بأنني أصيب نفسي وأصيبكم باليأس من قدرة المغرب على كسب الرهان أمام قوات عظمى، وفي محيط رياضي توجهه المصالح الإقتصادية والتربيطات السياسية، فمع ثقتي الكاملة بأن المغرب قدم هذه المرة واحدا من أفضل ملفاته على الإطلاق، إلا أنني مع نزول الفيلق السياسي لمشهد التصويت، أرى أن ربح رهان تنظيم كأس العالم 2026 أمر غاية في الصعوبة والتعقيد، فإن اعتمدنا على القوى الحية الرافضة لأحادية القطب الأوحد الموجه لسياسات العالم، والرافضة للبلقنة ولما يصطلح عليه بـ «الفتونة السياسية»، لا يمكن أن نعتمد على دول فقيرة وخاضعة لا حول لها ولا قوة، دول قد تكون متعاطفة مع المغرب إلى أنها لا تستطيع الجهر بذلك، ولو أنها في تصويتها للمغرب لا تعادي بالضرورة الولايات المتحدة الأمريكية.
أيا كان الأمر، وأيا كان المصير الذي سيرسمه مشهد التصويت هذا الأربعاء لمونديال 2026، فإن المغرب فخور بما أنجز، وفخور على الخصوص بالمنافع الكثيرة التي جناها من هذا السباق الخامس، منافع لا يقاس فيها، ما صرف على إعداد الملف وعلى الرحلات المكوكية التي طافت العالم في زمن قياسي، مع ما كسبه المغرب من احترام ومن تقدير للشجاعة وللنظافة ولعدم المزايدة وحتى اليأس في ملاحقة الأحلام ومطاردة الرهانات.