تنبؤنا الثقة الكبيرة التي يعلقها الأشقاء العرب على أسود الأطلس ليكونوا قوة عربية وازنة في مونديال روسيا، ويخبرنا ما يعلقه الإعلام الرياضي الإسباني والبرتغالي على حد سواء، على المنتخب المغربي من آمال، ليكون في مقام أول مصدر إزعاج لكل من الماتادور الإسباني وبرتغال الدون كريستيانو، على أن سقف الطموحات والإنتظارات إن علا قليلا وتنبأ بتحقيق هذا الفريق على الأقل، لما سبقه إليه جيل 1986 الذي كتب بمونديال المكسيك واحدة من أروع ملاحم كرة القدم الإفريقية والعربية في كأس العالم، فإنه بالتأكيد لا يسوق وهما ولا يبيع مغالطة ولا يزايد في تقدير الذات وممكنات الأسود.
لا خلاف على أن السنوات العشرين التي انقضت كاملة منذ آخر ظهور لنا على مسرح المونديال، سجنتنا في زنزانات الإحباط، بل إنها أصابتنا بكثير من اليأس، ولكي يتمكن المغرب من إذابة هذا الجليد الصلد من اليأس، كان لابد من جيل يختمر ويتشبع بثقافة التنافس في المستويات العالية، جيل يمشي على الجمر ليكسر كل إشارات المنع ويدفن ما بقي من شعور بالنقص. لذلك عندما أنجز جيل المهدي بنعطية وبوصوفة والأحمدي المصالحة التاريخية لأسود الأطلس مع كاس العالم، فإنه تمثل في ذلك الشخصية القوية التي تقوض الفولاذ والروح المعنوية التي تقهر المستحيل وأسلوب اللعب السهل / الممتنع الذي يروض الخصوم مهما كانت ضراوتهم، لذلك فإن تأهل هذا الجيل للمونديال، هو مكافأة قيمة لإرادة تم التعبير عنها جماعيا بشكل رائع.
وهل يكفي جيل الكابيتانو بنعطية، أن يتأهل للمونديال ويحقق حلم اللعب في مسرح الكبار، هل يكفيه هذا فقط؟
أبدا، المونديال ليس إلا بداية لرحلة حلم بألوان أخرى، أو لنقل إنه مرتع لحيازة درجة التقدير العالية عالميا، لذلك فإن بنعطية وبوصوفة والأحمدي ومن ورائهم كل الأسود الحالمين، يتطلعون لكتابة التاريخ، وهم يعلمون أن لكتابة التاريخ لابد من ملاحم، وطريق الملحمة يبدأ من مبارة يوم غد الجمعة عندما يقابل الفريق الوطني المنتخب الإيراني في افتتاح جولات المجموعة الثانية التي أجمع الكل على تسميتها بمجموعة الموت.
ولأن الترشيحات تضع المنتخبين المغربي والإيراني على بعد مسافة عينية من المنتخبين الإسباني والبرتغالي، لوجود ما يدعم ذلك على مستوى الإنجازات قاريا ودوليا، فإنه ينظر لمباراتنا أمام إيران على أنها مباراة سد لمعرفة المنتخب الذي يمكن أن يكون ضلعا ثالثا في السباق الشرس نحو بطاقتي الدور الثاني، فالفائز في هذا السد سينال ثلاث نقاط يمكن أن توسع له هامش المناورة بل وتعطيه أجنحة يمكن أن يحلق بها في مدارات، هي مرصودة بقوة التاريخ للمنتخبين البرتغالي والإسباني، البرتغال التي تحتمي بأسطورية الدون وإسبانيا التي تعيش اليوم ميلادا جديدا للتيكي تاكا التي قادتها للتتويج لأول مرة في تاريخها باللقب العالي سنة 2010.
من هنا إذا تبرز أهمية  بل ومصيرية مباراتنا أمام إيران، إذ سيكون الفوز بنقاطها الثلاث هو الخيار المثالي لاكتساب ثقة مضاعفة في رصيد الحلم والأمل، ومع معرفتنا بصعوبة تحقيق الفوز في نزال قوي ومثير يعتبره الإيرانيون أيضا هو نزال الحقيقة، فإن المطلوب من الفريق الوطني، أن يكون دقيقا في تدبير أزمنة المباراة، إن لجأ للضغط العالي، تنبه إلى عمقه الدفاعي فلا يفرط في التوازنات ولا يترك مساحات مبهمة بين الخطوط، وإن أدرك أن خيوط المباراة متشابكة أحسن البحث عن رؤوسها، وإن كان لزاما أن يكون المنتصر في المباراة هو الفريق الذي يحسن التعامل مع الجزئيات الصغيرة، كان فريقنا الوطني سباقا إلى حسم هذه الجزئيات والتي منها التسجيل من أنصاف الفرص.
قد يكون مهما للغاية أن نعرف كيف يلعب المنتخب الإيراني؟ وما هي أسلحته التكتيكية؟ وما هي قدرته على تحوير أسلوب اللعب؟ ولكن الأهم من كل هذا أن يكون الفريق الوطني في المباراة نسخة طبق الأصل من الفريق الذي شاهدناه بأبيدجان في آخر مباراة إقصائية خاضها ليفوز ويتأهل بعلامة الإستحقاق الكاملة، فريق بتلك الروح المعنوية العالية وبتلك الفدائية وبذاك النضج التكتيكي والقدرة على تنويع الأداء لا يمكن إلا أن يفوز حتى لو كان أمامه ثوار يحاربون بالنار.
كل التوفيق لأسودنا ليصمموا لمونديالهم الخامس أجمل بداية..