كعادته، جاء الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش المجيد، في صورة منظومة سياسية وفكرية، مطبوعة بتناسق رائع ومرصوصة بمترابطات هيكلية قوية ومشبعة بأبعاد ودلالات وطنية عميقة، تنم فعلا عن عبقرية وإنسانية وسمو فكر ملك، ينصت لنبض شعبه ولا يشغله شيء آخر غير تحصين الوطن ضد كل موبقات ومؤامرات من لا يروق لهم أبدا، أن يمضي المغرب قدما في طريق الحداثة والعصرنة وبناء المستقبل على أساسات الهوية والقومية والموروث التاريخي لبناة الوطن.
إن الإحتفاء بعيد الرباط المقدس بين الملك والشعب، لا يمكن من منظور جلالة الملك محمد السادس، أن يكون مجرد لحظة للإحتفال بروعة وقداسة الميثاق الذي يربط المغرب منذ عقود بالعرش العلوي المجيد، بل يجب أن يتعداه إلى استحضار واجبات هذا التلاحم التاريخي الذي صمد في وجه المتحرشين والظانين به ظن السوء بل والمغيرين عليه عنوة بأكثر من أسلوب رخيص وحاقد، وأوجب الواجبات أن يضع الملك وشعبه اليد في اليد من أجل تحقيق الرفاه والعيش الكريم والعدالة الإجتماعية، ومن أجل الدفاع بلا هوادة عن كرامة ووحدة الوطن.
وكما كان الحال في كل خطب العرش التي وجهها جلالة الملك محمد السادس حفظه الله، منذ أن اعتلى عرش أسلافه الميامين، فإن جلالة الملك خصص خطاب الذكرى التاسعة عشرة، لمقاربة البعد الإجتماعي في بنية التنمية الشاملة والمستدامة، وقد جرد حفظه الله أوجه الخلل ومظاهر التفاوت في المنظومة الإجتماعية، وحث الحكومة والأحزاب والمؤسسات الوطنية والمجتمع المدني، على التعبئة من أجل التصدي بقوة لكل هذه المعطلات الإجتماعية، التي يركب عليها صناع الفتن ومحترفو نسج المكائد للنيل من وحدة وتلاحم أبناء هذا الوطن.
وللعدالة الإجتماعية التي يضعها صاحب الجلالة كرهان قومي وكرافعة قوية للنماء ويطالب بتسخير كل الوسائل لإنجازها بشكل مبتكر، سريع وناجع، أوجه كثيرة لا يمكن أن يحضر بعضها ويترك بعضها الآخر.
وإذا كان الرفاه الإجتماعي يمر عبر تأمين كل ما له علاقة عضوية بالعيش الكريم، من سكن لائق ووصول ميسر للعلاج والإستشفاء وضمان كامل لحقوق التربية والتعليم والشغل والعيش الآمن وتحقق كامل للعدالة وللمساواة، فإن هذا الرفاه الإجتماعي يمر أيضا، عبر جعل الرياضة عنصرا استراتيجيا ضمن عناصر بناء الإنسان، بل إن الرياضة هي الأقدر من غيرها على حفظ التوازنات الإجتماعية وعلى تسريع وثيرة النماء، فالرياضة بالمفهوم الواسع هي مدرسة لزرع القيم النبيلة، قيم الإنتماء والروح الجماعية والإندماج والنظافة العقلية قبل الجسدية، وهي فضاء منتج للثروات ومذر للدخل ومساهم في إنعاش الشغل، وهي أيضا أنجع الوسائل لمحاربة الهشاشة والإقصاء والتفاوتات الطبقية.
إن المشروع المجتمعي الذي يدعونا صاحب الجلالة لإبداعه من أجل الأجيال القادمة التي ستتولى من بعدنا أمانة الحفاظ على تماسك ووحدة هذا البلد، لا يمكن إطلاقا أن يقصي حاجة المغاربة أينما وجدوا إلى فضاءات رياضية مفتوحة تنمي ملكاتهم العقلية والبدنية، ولا يمكنه قطعا أن يتغافل عن الحق الدستوري للمغاربة في ممارسة الرياضة، كما لا يمكن لهذا المشروع الإجتماعي أن ينهض من دون حضور وازن للرياضة بكل أبعادها وأجناسها في منظومة إعادة الهيكلة، وهنا لابد وأن نعيد تصريف الأفعال قبل النوايا، لأن ما فعلناه، وزارة وصية ومؤسسات راعية للشأن الرياضي وأندية لم يرق إلى ما ينتظره جلالة الملك وكل المغاربة، ولا حاجة لأن أكرر  الإحجام عن تحقيق الإنتظارات ولأن أعدد الإختلالات والمعطلات التي تحول دون ارتقاء الرياضة لمرتبة تساهم من خلالها في السلم الإجتماعي، لأن هذا التكرار ليس من النوع الذي يجلب الفائدة بل من النوع الذي يدل على البلادة.