من نلوم في الإقصاء الذي لاحق الوداد في الدور ربع نهائي عصبة الأبطال الأفريقية، حتى أطبق على عنقه وجرده بالكامل من حلم الفوز للمرة الثانية تواليا بالتاج القاري؟
نلوم المدرب عبد الهادي السكتيوي المسؤول مسؤولية كاملة على الإختيارات البشرية والتكتيكية، والمسؤول عن تدبير أزمنة المباراة المخنوقة برماد المنافس؟
أم نلوم اللاعبين على أنهم لم يطابقوا أنفسهم ولم يأتوا بما هو متوفر لديهم من ملكات فنية ومهارة تكتيكية وتراكمات تقنية، فأعطونا مباراة ملأى بالحشو والركاكة والعجز؟
أم نلوم ويليام جيبور وغيره من اللاعبين الذين كانوا في وضعيات مثالية للتسجيل في الكثير من المناسبات، ولكنهم أخطأوا في كل مرة الهدف؟
أم نلوم إدارة الفريق لكونها لم تحسن التعامل مع الرحيل المباغت للمدرب فوزي البنزرتي؟
قد نستمر لأيام، في مساءلة أنفسنا عن هذا الذي يستحق أن يلام، وعليه تقع المسؤولية كاملة في إجهاض حلم الوصول على الأقل للمرة الرابعة تواليا للمربع الذهبي لعصبة الأبطال الإفريقية، وتسجيل الفوز 16 تواليا بمركب محمد الخامس بالدار البيضاء في المنافسات الإفريقية، وفي كل مرة يضيع لنا رأس الخيط، فالحقيقة المطلقة التي نطقت بها مباراة الوداد ووفاق سطيف يوم الجمعة الأخير، هي أن الوداد كان بمقدوره أن يهزم الوفاق وغيره من عتاة إفريقيا، أو لنقل أنه في تلك المباراة بالذات فعل كل شيء يجب أن يفعله أي فريق ليسحق منافسه مهما كان له من جبروت، إلا شيء واحد، ما كان بمقدور الوداد أن يفعله تحديدا في ذاك اليوم، هو أن يطوع الحظ ويجعله إلى جانبه.
صحيح أن عجز الوداد عن تحقيق الفوز بالحصة التي تضمن له التأهل للمربع الذهبي، يرتبط موضوعيا بالحالة الذهنية التي كان عليها الوداد وأيضا بالنجاح الكبير التي كانت عليه منظومة لعب وفاق سطيف، بوحي من مدربه رشيد الطوسي، وصحيح أيضا أن لاعبين وداديين بعينهم لم يحالفهم التوفيق بشكل يثير الريبة والإستغراب، ويرتبط أيضا بالمباراة البطولية التي وقع عليها حارس مرمى وفاق سطيف مصطفى زغبة، والذي لعب بلا شك مباراة العمر بالدار البيضاء، ولكن هذا العجز ساهمت فيه قوة خارجية وقاهرة هي سوء الحظ الذي لازم الوداد على الخصوص في وضعها لخواتيم الجمل التكتيكية المتنوعة التي صاغتها على مدار المباراة وبخاصة في الجولة الثانية.
لست من المعادين للبراغماتية في التحليل ولست من المناصرين للمذهب القدري في تفكيك الظواهر، إلا أن ما شاهدته في مباراة الوداد ووفاق سطيف عزز لدي ولديكم أيضا، الإعتقاد لحد الجزم بأن مباريات كرة القدم يحكمها شيء أخر غير العلمية وغير البراغماتنية، ذاك الشيء هو الحظ، وقد استمعت لمدربين كبار من الذين يؤثرون بشكل كبير في تطور منظومات وأساليب اللعب، يقولون بأن المدرب الشاطر هو من يطوع الحظ، فيكون إلى جانبه في الليالي التي يفتقد فيها البدر.
نلوم جيبور على أنه أساء التعامل مع كرات سهلة وأضاع فرصا كان لا يتساهل مع أنصافها، ولكن مع اللوم نقدر بأن ما حصل كان فوق طاقته، وكذلك الوداد لا يلام على أنه لم يفز لأنه فعل كل شيء من أجل أنه يفوز ولكنه اصطدم بمؤثرات خارجية صعب عليه السيطرة عليها وفي طليعتها سوء الحظ والطالع، ولا يلام عبد الهادي السكتيوي لأنه بعقل الإنسان الذي له حدود يقف عندها، حاول وضع لاعبيه في وضعيات تكتيكية تساعدهم على فك طلاسم المنافس، لم يترك خيارا بشريا إلا ولجأ إليه، ولم يترك متغيرا تكتيكيا إلا ووظفه في حدود ما يعرفه، فلماذا نطلب منه المستحيل؟ لماذا نتهمه إذا بالقصور وبالتهور في تدبير أزمنة المباراة الصعبة؟
لو عدنا لمباراة يوم الجمعة لصدمتنا الأرقام، ولو أعدنا مشاهدة المباراة بعيدا عن التشنج والإنفعال اللحظي، لوجدنا ما يثير العجب، ومع يجعل أي ناقد شاهد ملخصا من المباراة منزوع منها نتيجتها، يصيبه الذهول عندما يقال له أن تلك المباراة انتهت بلا أهداف.
لذلك أنا مع أن نكف عن إسقاط انزعاجنا وغضبنا على ضياع التأهل على اللاعبين وعلى مدربهم، أنا مع أن نعود لمنطق كرة القدم الذي لا ينفي إطلاقا وجود تيار الحظ مع إصراره على علمية التعاطي مع هذه الرياضة، لنقول أن لا المدرب السكتيوي قصر ولا اللاعبين قصروا ولا ما شاهدناه يوم الجمعة يشككنا ولو للحظة في عملاقية الوداد أو ينسينا اللحظات الجميلة التي صنعها هذا الجيل من اللاعبين في السنوات الأربع الأخيرة، بتتويجهم مرة باللقب القاري وبالوصول قبل هذه المرة، ثلاث مرات متتالية للدور نصف النهائي لأجمل المسابقات القارية على مستوى الأندية.
وبرغم أن قناعتي لن تتزحزح بأن تاريخ الوداد وألقابه وعالميته أيضا، هي كلها من صنع رجال كبار مروا بالقلعة الحمراء، وعلى الخصوص من صنع جماهير تضرب باستمرار أروع الصور في الوفاء لفريقها وفي التواجد إلى جانبه في أعتى اللحظات، برغم أن هذه القناعة راسخة ومبررة، إلا أنني كنت أتمنى لو أن الخمسين ألفا الذين تواجدوا يوم الجمعة بمركب محمد الخامس، وجسدوا الصورة الرائعة المترسخة في الأذهان عنهم، كنت أتمنى لو أنه من زوال الغضب عنهم بفعل الإقصاء المرير، وقفوا جميعا ليحيوا اللاعبين على المجهود الخرافي الذي بذلوه، لا أن تذهب شرذمة من المسيئين لهذه الجماهير، إلى رشق اللاعبين بالقنينات والكلام المعيب وما لا يتحمله إنسان ولا تطيق سماعه الآذان.
لو كانت هناك دعوة للمخلصين والعاقلين من جماهير الوداد وهم بالألاف، فهي أن يبادروا إلى توجيه رسالة عاجلة إلى اللاعبين تثني على عطائهم، وتقدر المجهود الذي بذلوه، وتستنهض هممهم، ليطووا صفحة الإقصاء أمام الوفاق ويفتحوا بكل تفاؤل صفحة الحلم العربي، هم من سواجهون أهلي طرابلس الليبي ذهابا وإيابا يومه الإثنين ويوم الجمعة القادم.