لو قبلنا بكل التبريرات التي تساق للتغطية على الأداء المرتعش والمخيف للرجاء البيضاوي في مباراته أمام السلام زغرتا اللبناني في إياب دور سدس عشر نهائي «كأس زايد» المسمى الجديد لكأس العرب للأندية الأبطال، ولو نحن أجزنا ما يتداعى من تعليلات لهذا الفتور الكبير الذي ساد مباراة يوم السبت أمام السلام بمركب محمد الخامس، والذي هو صورة طبق الأصل مما كان في مباراة كارا برازافيل التي عبرت بالنسور الخضر لنصف نهائي كأس الكونفدرالية، فإن ذلك لا يمكن أن يحجب الخوف من أن يكون ذاك الأداء المتهالك، إيذانا بحدوث خلل في منظومة العمل ويفضي إلى نهايات دراماتيكية لكل القصص الجميلة التي تنسجها جماهير الرجاء، بل وتلعب فيها دور البطولة عندما سجلت للأمانة حضورا قياسيا ومبهرا في المباراتين معا سواء أمام كارا برازافيل الكونغولي أو أمام السلام زغرتا اللبناني.
مؤكد أن تحقيق الرجاء للفوز في ذهاب المنافستين معا بلبنان وبالكونغو برازافيل، خفف من وطأة الضغط النفسي ومنح لاعبي الرجاء البيضاوي هامشا كبيرا للمناورة، بخاصة في مباراة السلام التي تسبق ببضعة أيام جحيما كرويا سيدخله النسور الخضر ينيجيريا عندما يلاقون إنييمبا العنيد في نصف نهائي كأس الكونفدرالية، إلا أن تهجين الأداء الجماعي والخروج عن الواقعية واستلذاذ تعذيب المنافس بسبب الشعور المتغطرس بقصوره التقني والتكتيكي، يصيب بالقلق، ليس فقط لأن في ذلك تقليلا من الإحترام الذي يجب أن يبديه اللاعبون لمنافسيهم، ولكن أيضا لأن إدمان التدبير، بهذه الميوعة للمباريات كيفما كان شكلها وكيفما كانت سياقاتها وحتى رهاناتها، يمكن أن يورث عادات سيئة لا تليق بفريق يفترض أن يكون قد قطع بشكل نهائي مع مصائب وأعطاب الهواية، هواية التفكير وهواية التعامل مع المباريات وهواية في قياس مستوى المنافس.
ولم أكن لأختلف مع لاعبي الرجاء ولا مع مدربهم غاريدو، إن هم تدبروا بشكل عاقل مباراة السلام زغرتا، فلا يورطوا أنفسهم في سيناريوهات تفرض رفع الإيقاع وتفضي إلى استنزاف المخزون البدني، لولا أنني شاهدت الكثير من الزوائد المقلقة، ولا أظن أنني كنت الوحيد الذي تنبه إلى هذا الخروج الطوعي للاعبي الرجاء من الشكل البراغماتي الذي كان يجب أن يعكسوه على مباراة السلام، فحتى غاريدو المدرب الإسباني للرجاء، جاهر بعدم رضاه على ما قدمه لاعبوه، والحقيقة أنه غير راض تحديدا بالمقاربة الذهنية التي تعاطى بها النسور مع المباراة ومع لاعبي السلام زغرتا الذين لو كانوا يملكون نسبة أكبر من الجسارة للقنوا النسور درسا لن ينسوه في الواقعية.
أعرف جيدا أن الرجاء سيعامل مباراة إنييمبا هناك بنيجيريا، بما يلزم من شراسة ومن يقظة ومن تركيز عال للسيطرة على كافة التفاصيل، وأعرف أيضا أن غاريدو سيخوف لاعبيه بسيناريو مباراة السلام اللبناني وبسيناريو مباراة فيتا كلوب هناك بجمهورية الكونغو خلال دور المجموعات ليضعهم في صورة الإعصار الذي ينتظرهم أمام الفريق النيجيري، إلا أنني أتمنى صادقا لو تنمحي من المشهد الكروي ومن فضاء أندية الصفوة التي تحمل على عاتقها مسؤولية تمثيل كرة القدم الوطنية في المحفل الإفريقي، صور التهجين والتمييع التي يتورط فيها لاعبونا بسبب ما بقي عالقا في ذهنياتهم من صور بائدة عن الهواية بمعناها القدحي.
ليس لكرة القدم الوطنية اليوم من رجاء غير الرجاء، فبعد الخروج المبرمج والمؤلم للوداد البيضاوي من عصبة الأبطال، لم يتبق لنا سوى نسور الرجاء، عليهم المعول ليحلقوا في سماء القارة ويأتوننا بلقب ما أحوج كرة القدم المغربية إليه.
بالتوفيق للنسور الخضر.