كان من المفترض أن يطلع القارئ على هذه الزاوية في عدد يوم الإثنين كما بلغ بها في الصفحة الأولى، لولا أن خطأ تقنيا لا يمكن أن يسلم منه العمل الصحفي عندما توضع الصحيفة أمام فوهة المطبعة، حال دون ذلك فأعيد نشر زاوية «أين هو الميثاق الأخلاقي؟»، لذلك أرجو أن يقبل القارئ خالص الإعتذار.
لا بد أن تعالج الزوبعة التي أثارتها الأسبوع الماضي صفقة انضمام لاعب المغرب الفاسي حلحول إلى النهضة البركانية بكثير من الحكمة بعيدا عن التنطع والمكابرة بإعمال كل المواثيق القانونية والقيمية التي يجب أن تتأسس عليها الصفقات التجارية دونما تحريف.
والزوبعة ليس مصدرها أن أطراف الصفقة تحايلوا على المبدإ القانوني الذي يفترض وجود قدر كبير من الشفافية، ولكن مبعثها أن ما بين الفريقين اللذين حررا صفقة الإنتقال، المغرب الفاسي البائع والنهضة البركانية الشاري، دخل طرف ثالث هو الرجاء البيضاوي في شخص رئيسه محمد بودريقة الذي سدد ثلاثين بالمائة من الصفقة للمغرب الفاسي من حساب إحدى شركاته، على سبيل الدين أو الهبة، الأمران سيان.
ولا وجاهة على الإطلاق لما يقوله السيد محمد بودريقة من أنه حر في ماله يعطيه أو يهبه أو يقرضه لمن أراد، ففي أعراف كرة القدم وفي نظام المبايعات مبادئ وقيم لا يمكن إسقاطها، وإلا جاز القول أن ما كان بهدف الريع أو التبرع من المال الخاص هو تيسير لمصالح إما آنية أو مستقبلية تخدم هذا الطرف أو ذاك ولكنها تضر بأطراف أخرى، لذلك كان منطقيا جدا ومستصاغا لأبعد الحدود أن تستنفر أندية غير معنية مباشرة بالصفقة، ما حولها وتتحدث عن لوبي مالي يوجه المصالح بحسب إرادته لا بحسب إملاءات القانون، فقد فتحت الصيغة التي أنجزت بها صفقة إنتقال حلحول للنهضة البركانية الباب على مصراعيه أمام أسئلة إستنكارية وتقديحية، قد نختلف على بارءتها ولكن لا نختلف على أنها أسئلة من صميم حالة تحرض على الإستنكار.
البعض قال أن مساعدة بودريقة العضو الجامعي ورئيس نادي الرجاء، النهضة البركانية على إتمام الصفقة بطريقة مباشرة عن طريق سداد ثلاثين بالمائة من قيمتها الإجمالية إما دينا أو تبرعا، فيه محاباة معلنة لرئيس الجامعة فوزي لقجع وفيه قطع للطريق على أندية أخرى كانت راغبة في جلب حلحول ومنها الجيش الملكي والوداد البيضاوي وفيه إضرار بمصالح المغرب الفاسي بحسب ما أفاد عدد من منخرطي الفريق الأصفر، على إعتبار أن صفقة إنتقال حلحول للنهضة البركانية أو لغيره من الأندية كان يجب أن تكون بقيمة مالية أكبر بكثير مما اتفق عليه لقيمة اللاعب الفنية.
نجزم إذا بأن الأطراف وقعت في خطإ جسيم، فالنهضة البركانية ليست بحاجة لأن يسدد عنها طرف آخر مترتبات صفقة أنجزتها، والمغرب الفاسي ليس مسموحا له أن يقبل بسداد صفقة إنتقال لاعبه حلحول بالصورة التي تم بها الأمر، وبودريقة بثوب رئيس فريق وبجلباب عضو جامعي غير مقبول منه أن يكون طرفا في صفقة إنتقال لا تعني فريقه بشكل مباشر حتى لو كان بودريقة كما قال حرا في ماله، وإذا ما خلصنا إلى أن البنية القانونية التي إنبنت عليها الصفقة بها عيوب كثيرة تتعلق أساسا بالجانب القيمي، وقد ننتهي جراء ذلك إلى القول أن ما إختل أساسه القانوني إختل مضمونه التجاري، وبالتالي نحن أمام صفقة ملغية.

..................................................................................................................
بينما كنا منشغلين بالزوبعة التي أثارتها صفقة إنضمام حلحول للنهضة البركانية لوجود خلل كبير في البنية والمقصد، صدر عن لجنة القيم والأخلاقيات داخل الإتحاد الدولي لكرة القدم بيان يدعو فيه كل أعضاء اللجنة التنفيذية للفيفا إلى إعادة ساعات يدوية كانوا قد تلقوها بمعية رؤساء الجامعات 32 الذين شاركت منتخباتهم الوطنية في نهائيات كأس العالم بالبرازيل وخمسة من أعضاء في إتحاد أمريكا الجنوبية هدية من الجامعة البرازيلية لكرة القدم.
لجنة القيم التي رأت في الساعات المهداة والتي تبلغ قيمة الواحدة منها 25 ألف دولار أمريكي، إخلالا بالميثاق الأخلاقي الذي وضعته هذه اللجنة المستقلة عن الفيفا والتي يفخر جوزيف بلاتر رئيس الفيفا بأنها سابقة في تاريخ كل المؤسسات الرياضية العالمية، طالبت الجميع بإعادة الهدية «المرفوضة» في أجل أقصاه 24 أكتوبر القادم، وقد تلقت على الفور ردا قويا من الفرنسي ميشيل بلاتيني رئيس الإتحاد الاوروبي لكرة القدم الذي قال بلغة المتعنث أنه لا ينوي الإستجابة لطلب لجنة القيم المعمم وأنه وعد من قبل بالتبرع بقيمتها للمؤسسات الخيرية ولن يمنعه أحد من ذلك، لأنه رجل متعلم ولم يتلق في تربيته ما يدفع لإعادة الهدايا.
ما بين ساعات مهداة لشخصيات رياضية وازنة رأت فيها لجنة القيم داخل الفيفا ما يتعارض مع المبدإ الأخلاقي الذي يقوم عليه ميثاقها، وبين وجود بودريقة بصفته وماله ضلعا في صفقة إنتقال حلحول من المغرب الفاسي إلى النهضة البركانية، نستطيع أن نتلمس الخيط الرابط والناظم والذي يقول أن للقيم أحكاما لا يمكن المزايدة عليها مهما حضرت النية الحسنة.